أكرم القصاص

الإصلاح الصعب فى زمن «السوشيال».. النقاش الافتراضى بالملخصات!

الجمعة، 19 يوليو 2019 08:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عندما نتحدث عن السوشيال ميديا، وأن لها ميزات وعيوب،  لا نملك غير الرصد ومحاولة الفهم، لكن الواقع يفرض علينا الاعتراف بأن إصلاح أحوالنا أو مناقشة قضايانا الأهم يصبح أكثر صعوبة يوميا فى وجود عالم افتراضى يتفوق على نظيره الطبيعى. حيث تسود «المناكفات» السريعة، وتختفى فرص النقاش الجاد، وهناك جمهور أغلبه متعطش لإعلان الرأى فى قضايا ربما لايعرف عنها أكثر من عنوان، ويتحول البعض إلى خبراء رياضة وسياسة وحوادث وتسالى فى آن واحد، ومن دون بذل أى جهد فى الاختبار والتحليل.
 
 نحن أمام عالم يفرض علينا أخباره، وما نناقشه من موضوعات وطريقة الحوار، وزمن التحاور، وحيث تفقد الموضوعات المهمة قيمتها وتأثيرها لأنها أثقل دما، بينما تعوم الموضوعات الأكثر خفة وتفاهة، وتفقد المناقشات قيمتها وتأثيرها فى عالمنا بشكل يصعب الهرب منه.
السوشيال ميديا تفضل الملخصات، مثلما يفضل أغلبية تلاميذ الثانوية الملخصات والامتحانات ولا يفضلون الغرق فى كتب مدرسية وشرح وفهم، وبهذه المناسبة فإن التعليم والثانوية العامة ومكاتب التنسيق يفترض أنها موضوع مهم، والكل يدلى فيه بآراء يعبر فيها عن عدم الرضا عن واقع التعليم، ويطلب تغييره، لكن نفس هؤلاء الذين يصدرون أحكاما على ما يجرى، لايتوقفون لمناقشة التفاصيل ويكتفى الواحد منهم بإطلاق حكم نهائى، مع ما تيسر من «مافيش فايدة» ثم ينصرف إلى البوستات المريحة التى تسهل له التعبير عن يقين العارف من خلال ملخصات تتيح إصدار أحكام.
 
ومن يتابع تريندات الانشغال السوشيالى خلال أيام يكتشف أن مستقبل أجيال من طلاب الثانوية، لا يشغل مساحة تتوازى مع انشغالات عالم التريند بموضوعات مصطنعة، تخلو من المعلومات وتعوم على الشائعات، مثل اختراع صراع وهمى بين جمهور الجزائر وجمهور مصر حول نهائى كأس الأمم الأفريقية هناك بوستات مخترعة تهاجم مصر والمصريين، فينفعل بعض الأطراف لدينا ويبدأون فى مهاجمة الجزائر والهدف صناعة توتر يفتح الباب لأى نوع من الصدام والنتيجة أن يتم إفساد بطولة كانت مثالا فى التنظيم الحضارى والرياضى. وطبعا هذا لم يحدث لكنه يكشف عن كيفية توجيه الرأى الافتراضى واستغلال العواطف فى صناعة أزمات قد تتطور إلى صدام واقعى، أو تقود إلى انفلات يخرج عن السيطرة. بل إننا وجدنا من ينتقد التعامل بحسم مع جمهور مشاغب يتجاوز التشجيع إلى إشعال حرب حول مباراة هنا أو هناك.
وبالمثل تحول البعض إلى أطراف فى قضية تابعوا فيها العناوين، ونقصد حادث الفتاة التى أعلن أنها تعرضت لمحاولة اغتصاب، فقتلت الشاب الذى حاول اغتصابها، وهو ما نشر حتى الآن وأغلبه على مواقع التواصل،  ولم ينتظر «الافتراضيون» تحقيقات أو معلومات ولا أطلع أحدهم على الوقائع، ولا كان طرفا، ولكنهم انقسموا إلى مع وضد، وكلاهما لايدرى شيئا عن ما جرى، وكل منهما يصدر حكما قبل الإطلاع أو المعرفة.
 
ونضرب هذه الأمثلة، لنشير إلى واقع يفرضه عالم افتراضى، يسكنه جمهور يفضل الأسهل، ويهرب من الجاد، يتساوى فيه الجدل حول السياسة بالنقاش حول الكرة، ويحتل التريند مطرب نصف مشهور يحرج معجبا ويرفض التقاط صورة معه، أو حادث يتعامل معه المتناقشون من دون معلومات. وكل هذا يصب فى صيغة تجعل من الصعب الاستناد إلى عالم التواصل كمستند أو توثيق، أو قاعدة نقاش، بل إن هذا يجعل الحديث عن إصلاح أو البحث عن رأى عام، صعبًا فى زمن الجدل الافتراضى بالملخصات». 
 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة