«حر غير مسبوق»، مقولة تتردد فى العالم كله وليس عندنا فقط، لم تعد الحرارة المرتفعة فى الصيف أمرا يخص دول أفريقيا أو آسيا القريبة والمحيطة بخط الاستواء، لكن حتى الدول التى اعتادت الحر تواجه ارتفاعا إضافيا من الحر والرطوبة، ومنذ التسعينيات أصبحت أوروبا تواجه موجات حر، تحولت فى السنوات الأخيرة إلى جزء من المناخ الأوروبى، وهو ما ينعكس فى حرائق ووفيات تتضاعف سنويا.
أوروبا تواجه حرا غير معتاد، وتتكرر موجات الحرائق والجفاف مع توقعات فى استمرار التغير المناخى بشكل يجعل الحر جزءا طبيعيا من المناخ الأوروبى فى الصيف، وهو ما يقود إلى تغيير فى الزراعة والمياه، والطاقة.
الحرائق هذا العام ظهرت فى اليونان، وتنتقل إلى السويد، وفنلندا، ولاتيفيا، ووصلت حتى روسيا، وفى هولندا شهدت الأنهار الشهيرة التى تزين الريف الهولندى جفافا شديدا، وأغلقت عددا من الجسور وتأثرت الملاحة النهرية، ووصلت درجات الحرارة إلى معدلات غير مسبوقة، حيث بلغت فى فرنسا وبريطانيا وألمانيا إلى 38 درجة، وفى اليابان وصلت الحرارة إلى 40 درجة مئوية وقتلت عشرات.ومع حرائق الغابات، يتوقع زيادة الفيضانات فى مناطق والجفاف فى أخرى، وحسب معهد بوتسدام لأبحاث التأثيرات المناخية هناك مليون شخص سيتضررون من الفيضانات فى أمريكا، وفى أفريقيا قد يرتفع إلى 34 مليونا، وفى آسيا إلى 156 مليونا.
ومع استمرار الانبعاث الحرارى والكربون، هناك ارتفاعات أخرى متوقعة مع تغير فى مناخ الدول الباردة التى يمكن أن تغير من نظمها الزراعية والصناعية، بل إن أوروبا التى لم تعتد على التكييفات الباردة وتكتفى بأنظمة تدفئة تعود لتجرى تغييرات فى أنظمة التبريد، فضلا عن تغيير يمس نوعية المحاصيل الزراعية.
وفى دراسة للجمعية الوطنية الأمريكية لمختبرات الزراعة والبيئة، طالب الباحثون العالم بالتدخل لإجراء تغييرات جذرية فى المجتمع لمواجهة تهديد مناخى للزراعة وإلا فسيواجه العالم مجاعات محتملة، وفى دراسة لليونيسيف أيضا فإنه بحلول عام 2050 سيواجه نحو مليار شخص مشكلة فى نقص المياه، ويرتفع هذا الرقم إلى 3.2 مليار إنسان.
وبالرغم من هذه المؤشرات المخيفة، فإن العالم حتى هذه اللحظة لم يتخذ أى إجراء قوى للتخفيف من أثر الاحتباس الحرارى، والعديد من قيادات الدول فى العالم مازالوا يعتبرون الاحتباس الحرارى ظاهرة يتم التهويل منها، وكان التغير المناخى إحدى نقاط الخلافات فى مؤتمر قمة العشرين، وهناك انقسام بين قادة العشرين فى قمتهم بأوساكا اليابانية حول قضية تغير المناخ، منذ قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الانسحاب من اتفاق باريس للمناخ عام 2015.
والخلافات بين الدول الكبرى مستمرة، بين الولايات المتحدة وأوروبا، خاصة فرنسا التى تقود الدعوة لمواجهة التغير المناخى، وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن الولايات المتحدة قبلت أن تؤكد دول أخرى اهتمامها بحماية المناخ فى البيان.
وبالرغم من الخلاف حول المناخ وتأثيرات البيئة على التغير المناخى، فإن الدول الكبرى تخلى مسؤوليتها عن الاحتباس الحرارى، بسبب الانشطة النووية والصناعية التى يقومون بها، بينما الدول الفقيرة هى المرشحة أكثر لدفع ثمن هذا التغير، وقد انتبهت دول أوروبا متأخرا إلى أن الاحتباس الحرارى لا يتعلق فقط بالدول الفقيرة، لكنه يعم دول العالم، ويؤثر بشكل أساسى على شكل الحياة حتى فى أوروبا، وهو ما يحدث اليوم من ارتفاعات فى الحرارة، تتجه إلى أن تصبح جزءا من المناخ الأوروبى، ومع هذا تظل الخلافات وحالات الانشطار سببا فى استمرار الآثار المدمرة لتغير المناخ بما يرافقه من غرق مناطق وجفاف أخرى ودمار للزراعة وغيرها بما يقود إلى مجاعات تدفع ثمنها الشعوب الأفقر بالعالم.