منذ بداية التصعيد بين إيران والولايات المتحدة، راهنت إيران على تردد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الذى استخدم التهديد ثم تراجع، وهو الأمر الذى أغرى إيران بمزيد من التصعيد والتهديد. لكن إقدام إيران على احتجاز ناقلة ترفع العلم البريطانى جاء كتصعيد إضافى تجاه بريطانيا وأوروبا بعد أقل من أسبوعين على احتجاز سفينة ترفع العلم الإيرانى فى مضيق جبل طارق.
وبالرغم من أن كل الأطراف منذ بداية الأزمة استبعدت الحل العسكرى، فإن إيران تلعب بأوراق ضغط مختلفة تصل إلى حافة الصدام، رهانا على انشغال الولايات المتحدة بانتخابات رئاسية قادمة، وارتباك بريطانى بسبب البريكست واستقالة رئيسة الوزراء تريزا ماى، وبالطبع فإن السباق على خلافة ماى يضاعف من صعوبة اتخاذ قرار واضح تجاه احتجاز الناقلة البريطانية.
وزير الخارجية البريطانى جيريمي هانت أحد المرشحين لخلافة ماى عبر عن خيبة أمله بعد فشله فى الحصول على أى تعهد من وزير الخارجية الإيرانى جواد ظريف، واكتفى هانت بالحديث عن حزمة من التدابير الدبلوماسية والاقتصادية ضد إيران، من بينها تجميد أصول، ردّاً على احتجاز الناقلة البريطانية «ستينا إمبيرو».
لكن هانت قال أيضا: «سنبحث سلسلة من الخيارات... سنتحدث إلى نظرائنا وحلفائنا الدوليين لنرى ما يمكن فعله فى الواقع»، بما قد يعنى مزيدا من التصعيد الاقتصادى والدبلوماسى والدولى، وهو أمر لا يبدو أن إيران تعيره اهتماما، خاصة أن الأوضاع الدولية الحالية تجعل إمكانيات الحرب مستبعدة، على عكس مما كان عند غزو العراق فى 2003.
بريطانيا التى تعرضت لإهانة من جانب إيران، تقف فى حالة ارتباك، خاصة أن علاقاتها مع الولايات المتحدة متوترة على خلفية التسريبات المنسوبة للسفير البريطانى فى الولايات المتحدة التى أهان فيها ترامب وسخر من الإدارة الأمريكية، كما تراهن إيران على الموقف الروسى الذى يبدو حياديا تجاه احتجاز الناقلة البريطانية، فقد اكتفت موسكو بالإعراب عن قلقها.
رهانات إيران بالرغم من صحتها تجاه الانشغالات الأمريكية والبريطانية بالانتخابات والبريكست، فإن احتجاز الناقلة البريطانية يضاعف من المخاوف الدولية والإقليمية تجاه تأمين مضيق هرمز، ويهدد تدفقات النفط لأوروبا وآسيا، وهو ما يرفع من درجات التوتر بشكل ربما يتجاوز الرهانات الإيرانية، وتراه أوروبا وأمريكا تهديدا لأهم ممر مائى لتجارة النفط العالمية وأكبر تصعيد خطير منذ بداية الأزمة فى إبريل الماضى.
إيران اختبرت الإرادة الأمريكية والبريطانية بإطلاق تهديدات، وظهر الحرس الثورى الإيرانى فى الصورة، وهو الذى نفذ عملية الإنزال واحتجاز الناقلة البريطانية، تنفيذا لتهديده بالرد على مشاركة بريطانيا فى احتجاز الناقلة الإيرانية فى جبل طارق.
ظهور الحرس الثورى يعكس تقدما للتيار المتشدد داخل إيران فى مواجهة تيار يطالب بوقف التصعيد والحوار المباشر مع الولايات المتحدة وحتى الرئيس الأسابق أحمدى نجاد، دعا المسؤولين الإيرانيين للدخول فى حوار مباشر مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، واصفا إياه بأنه برجماتى وتاجر ويمكن التفاهم معه.
على العكس يراهن المتشددون الإيرانيون على تردد أمريكى وارتباك بريطانى يجتاح السياسة فى لندن بشكل علنى، حيث قال ريتشارد بيرجون المتحدث باسم شؤون العدل بحزب العمال المعارض فى بريطانيا: «ينبغى عدم جر بريطانيا إلى صراع كما كان الحال فى العراق»، وأضاف: «لا يجب أن نكون مساعدين لدونالد ترامب»، بينما قال الكاتب البريطانى، سيمون تيسدال فى مقاله بصحيفة «الأوبزرفر» البريطانية: «إن السياسيين المحافظين، المشغولين باختيار رئيس وزراء جديد، والمنافسة على السلطة، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، تعثروا فى فخ أمريكى».
التصعيد الإيرانى بلغ أقصاه باحتجاز ناقلة بريطانية، ورفع التوتر للدرجة القصوى منذ بداية الأزمة، فيما بدا نوع من الوصول لحافة حرب ظلت مستبعدة طوال الوقت.