لم يعد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مجرد رئيس يحكم أمريكا، بل أصبح تيارا سياسيا ينتشر فى العديد من الدول ليؤكد صعود الشعبوية فى أوروبا والولايات المتحدة، وهو ما تجلى فى وصول بوريس جونسون السياسى البريطانى المحافظ الذى يعد أبرز دعاة البريكست المعادى للهجرة إلى مقر حكم المملكة المتحدة فى 10 داوننج ستريت.
ويشبه صعود جونسون إلى حد كبير بروز ترامب، فكلا الرجلان يواجه معارضة على مستوى "المؤسسة" داخل حزبيهما لكنهما يتمتعان بدعم قوة من أنصارهما على مستوى القاعدة الشعبية، لا يأبهان للجدل الذى تتسبب فيه تصريحاتهما ولا يتوقفان عن استخدام اللغة المثيرة للانقسام من أجل تحقيق مصالحهما. وربما لا يتوقف التشابه بين الرجلين على الأداء السياسى لهما، فحتى فى الشكل تجد سمات مشتركة، فكلاهما رجل أبيض ممتلىء الجسد ذو شعر أشقر.
وبالنسبة لجونسون، فقد تحقق له حلم تأخر سنوات، حيث كان عضو البرلمان ووزير الخارجية السابق يطمح لخلافة جيمس كاميرون فى رئاسة الحكومة البريطانية بعد صدمة تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبى قبل 3 سنوات، لكن تيريزا ماى كانت الأقرب للمنصب منه.
فى طفولته أراد جونسون أن يصبح ملك العالم، حسبما قالت شقيقته عنه، وبعد تصويت حزب المحافظين اليوم لاختياره رئيسا له حقق بذلك السياسى الأكثر إثارة للانقسام فى جيله، كما تصفه "CNN"، هدفه وسيصبح غدا الأربعاء رئيسا للحكومة البريطانية.
وكان جونسون قد لعب دورا حاسما فى تصويت البريطانيين لصالح بريكست فى استفتاء عام 2016، ورغم ضغوط كميرون فى هذا الوقت لدعم حملة البقاء، خرق جونسون الصف وأيد البريكست حتى أخر لحظة، وهو ما جعله بطلا لأنصار البريكست.
ويقول عنه أحد أنصاره إن لديه قدرة كبيرة على القيادة، فهو يستطيع إقناع الناس بدعمه ويذهب فى اتجاه ربما لم يؤيدونه منذ البداية.
وبعد دخوله إلى داوننج ستريت، سيكون التحدى الأكبر الذى يواجه جونسون بالتأكيد هو إدارة ملف البريكست حيث سيقوم بإعادة التفاوض على خطة تيريزا ماى التى توصلت إليها من قبل مع الاتحاد الأوروبى لكنها قوبلت بالرفض من قبل البرلمان. والمأزق الذى يواجهه هنا لا يتعلق فقط بمحاولة إقناع البرلمان بالخطة ولكن ضيق الوقت المتبقى أمامه. حيث أن الموعد النهائى المحدد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأأوروبى هو 31 أكتوبر المقبل. لكن أيام عمل البرلمان لن تتجاوز الثلاثين فى ظل عطلته السنوية وعدم احتساب العطلات الأسبوعية. وربما لا يأبه جونسون كثيرا لذلك لأنه سبق وأكد أنه قد يخرج بدون اتفاق لو لزم الأمر، وهو الاتجاه الذى يحذر من تداعياته الكثيرين داخل بروكسل ولندن لاسيما لتأثيره الخطير على الاقتصاد البريطانى.
لكن قبل إدارة ملف بريكست، سيتعين على جونسون أن يرسى استقرار حكومته، لاسيما وأن الاستقالات تتوالى من الوزراء الذين يرون أنهم لا يتوافقون مع جونسون فى رؤيته. فقد تعهد وزيرى المالية والعدل بالاستقالة قبل أن يتولى جونسون رسميا مهام المنصب، حتى لا يستطيع أن يقيلهما. ولذلك سيكون أمام الساكن الجديد لداوننج ستريت مهمة شاقة فى توطيد الحكومة حتى لا تتكرر نفس الأزمة التى واجهتها تيريزا ماى من استقالات بالجملة زعزعت من إدارتها للقضية الأبرز فى السياسة البريطانية فى الوقت الراهن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة