كريم عبد السلام

الرياح الخبيثة تأتى دائما من لندن

الأربعاء، 24 يوليو 2019 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
انتبهوا أيها السادة للإمبراطوية البريطانية المتهاوية التى تسعى لاستعادة مجدها الاستعمارى الغابر، من خلال عمليات الهيمنة الرمزية على منطقة الشرق الأوسط، ولم لا، ألم تكن هى من سلم واشنطن مقاليد الأمور وملفات المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية، وهى أيضا من يستعد لاستلام ملفات المنطقة بعد أن أبدت واشنطن استعدادها لمغادرة تلك المنطقة بشرط ضمان أمن إسرائيل وعدم وصول النفط بسهولة لمنافسى الولايات المتحدة الاقتصاديين، خاصة الصين.
انتبهوا أيها السادة للتحركات البريطانية فى زعزعة الاستقرار فى الشرق الأوسط، والتدخل لرعاية مخطط تدمير وتفتيت الدول الكبرى المستقرة من خلال دعم الجماعات الإرهابية، وفى مقدمتها جماعة الإخوان التى أسستها بين القاهرة وإسلام آباد فى عشرينيات القرن الماضى.
 
انتبهوا مثلا لتحركات مريبة مثل إعلان تعليق الطيران البريطانى إلى مصر لمدة أسبوع وتوقيت إعلان القرار وظروف إعلانه والملابسات المحيطة به، فالقاهرة تشهد ازدهارا أمنيا بكل المقاييس واستقرارا على كل المستويات ونجاحات غير مسبوقة فى مواجهة الإرهاب المدعوم من الخارج، سواء فى مثلث شمال سيناء أو الجبهة الغربية أو الجنوب، وعلى طول حدود مستهدفة تبلغ آلاف الكيلومترات، تراجعت إلى حد كبير نسبة العمليات الإرهابية، بحيث لا يتذكرها المصريون، وذلك بفضل يقظة الأجهزة المصرية والضربات الوقائية التى أجهضت البنية التحتية للتنظيمات الإرهابية وقضت على النسبة الغالبة من قياداته وجففت منابع تمويله وإمداداته، ولاحظوا أن إعلان تعليق الطيران البريطانى للقاهرة لمدة أسبوع جاء بعد حدث عالمى شديد الأهمية تابعه أكثر من مليار مشاهد وهو بطولة كأس الأمم الأفريقية، فقد استقبلت الأراضى المصرية وفود وبعثات وجماهير ومسؤولى 24 دولة أفريقية، وتجول مئات الآلاف من السائحين الأفارقة وكبار المسؤولين فى خمس محافظات مختلفة من شرق مصر إلى غربها، وشهد الجميع بالتنظيم المبهر للبطولة من حفل الافتتاح إلى الختام، فهل هناك نجاح أمنى أكثر من ذلك؟ وهل هناك استقرار أفضل مما متحقق حاليا؟ فلماذا تحاول لندن الاستعمارية إهالة التراب على النجاحات المصرية والعودة بنا إلى مربع الصفر بتخويف الأوربيين من التوافد على مصر؟ وما مبررات القرار المشبوه بتعليق الرحلات؟
 
لاحظوا أيضا أن القرار البريطانى المشبوه جاء بعد الزيارة الدورية لفريق المفتشين البريطانيين إلى مطارى القاهرة والغردقة الأسبوع الماضى، وكانت نسبة النجاح بتقدير امتياز وفقا لتصريحات المفتشين البريطانيين الذين أشادوا بالمستوى الأمنى المصرى فى المطارات.
 
أول تفسير للقرار من بريطانيا أن الخطوط الجوية البريطانية علقت رحلاتها إلى القاهرة، «كـإجراء احترازى من أجل إتاحة الفرصة لتقييم أكثر عمقا للأوضاع، وذلك نتيجة للتصعيد الذى تشهده منطقة الخليج بين إيران وبريطانيا»، يا سلام! إيران تحرج لندن وتحتجز ناقلتى نفط ترفعان العلم البريطانى فلا تجد لندن سوى التشويش على الموقف الإيرانى بتعليق رحلاتها إلينا! طيب هل القاهرة أقرب لإيران من بعض دول الخليج؟ هل القاهرة أقرب لإيران من العراق مثلا أو من الدول التى ترتبط بحدود مباشرة مع طهران مثل تركيا وأفغانستان وباكستان وأرمينيا وأذربيجان؟ لماذا لم تعلق الخطوط البريطانية رحلاتها إلى هذه الدول، خصوصا أنها تمر عبر مسارات دولية للطيران المدنى تخضع للسيادة الإيرانية؟!
 
التبرير البريطانى الثانى تمثل فى بيان وزارة الخارجية البريطانية، حيث قدمت فيه نصائح للمسافرين إلى مصر وعبرت عن مخاوفها من عمليات إرهابية قد تستهدف الطيران المدنى وطالبت باتخاذ إجراءات أمنية إضافية بشأن الرحلات المسيرة من مصر إلى بريطانيا، فماذا يعنى ذلك؟ هل عند السلطات البريطانية معلومات مؤكدة عن تحركات إرهابية على الأراضى المصرية؟ لماذا لم تبلغ بها الأجهزة المصرية المعنية؟ أم أن هذه المعلومات لها علاقة بالإرهابيين الذين تمنحهم لندن اللجوء السياسى على أراضيها؟ أو ربما يكون له علاقة بجماعة الإخوان وتنظيماتها المسلحة وخلاياها العنقودية، وهى جماعة تسبغ عليها لندن الشرعية وتحتضن مقرها الرئيسى وأرصدتها المالية فى البنوك البريطانية.
 
من ناحية ثانية، قدم السفير البريطانى فى القاهرة اعتذاراً إلى وزير الطيران المدنى بشأن عدمِ إبلاغ السلطات المصرية قبل صدور القرار بتعليق الرحلات البريطانية إلى القاهرة لمدة أسبوع؟ ما هذا الارتباك فى التعاملات بين الدول؟ أم أن المقصود هو تصدير الإرباك إلى السلطات المصرية، ودفع شركات الطيران الأوربية إلى تقليد الخطوط الجوية البريطانية فى قرارها المشبوه لإثارة أزمة من لا شىء حول الأوضاع الأمنية على الأراضى المصرية؟ وبالفعل علقت الخطوط الجوية الألمانية رحلاتها إلى القاهرة، ولكن الاتصالات بين الجانبين أدت إلى استئناف الرحلات بعد ثبوت الاستقرار الأمنى وانعدام المخاطر، فكان أول ضربة تفسد المخطط البريطانى المشبوه، ومن ثم أيقنت الدول الأوروبية أن القرار البريطانى موجه سياسيا وليس له علاقة بأمن الطيران والمسافرين، فلم تربط رحلاتها للقاهرة به أو تلتفت إليه.
 
خلاصة ذلك كله، أننا نواجه نوعا من سياسات الاحتواء من قبل بريطانيا وهى تستعد لاستلام مجموعة من المهام والمسؤوليات المتعلقة بالشرق الأوسط من واشنطن، وهو ما يحتم علينا التعامل بكثير من الحذر مع الإدارة البريطانية المرتبكة والمحاطة بالمشكلات الداخلية والأزمات الإقليمية، ومنعها من ممارسة الدور الاستعمارى تجاهنا، لأننا نستطيع مواجهة هذا الدور بقوة وتوجيه ضربات سياسية مؤثرة لمصالحها الحيوية فى المنطقة وأفريقيا.
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة