تقلّد بوريس جونسون منصب رئيس الوزراء بينما تلوح أزمة طارئة في مياه الخليج، حيث تهدد مصادرة إيران لناقلة نفط بريطانية بجر بريطانيا والمجتمع الدولي إلى خلافات متصاعدة بين واشنطن وطهران. لكن ثمة فرصة في كل أزمة، وعلى رئيس الوزراء الجديد (جونسون) أن يستغل تقاربه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للحد من التوترات على نحو مسؤول، وفي الوقت نفسه يعزز العلاقات المدمرة عبر المحيط الأطلسي بشأن إيران.
وقالت صحيفة (الجارديان) - في تقرير نشرته في نسختها الالكترونية اليوم، الأربعاء، إن طهران اتهمت ناقلة النفط "ستينا إمبيرو"، بالاصطدام بقارب صيد وانتهاك اللوائح الدولية. غير أن عملية الاستيلاء جاءت بعد فترة وجيزة من تهديد القادة الإيرانيين بالانتقام عقب احتجاز بريطانيا لسفينة ترفع العلم الإيراني قبالة ساحل جبل طارق للاشتباه في أن السفينة قد انتهكت عقوبات الاتحاد الأوروبي على سوريا.
وأضافت "اندلعت الأزمة في مناخ متوتر بالفعل في الخليج منذ أن بدأت إدارة ترامب في تصعيد الضغوط الاقتصادية على طهران. وبعد التكثيف الأخير للعقوبات الأمريكية ضد إيران في مايو، شنت قوات بالوكالة مدعومة من إيران هجمات على نحو أربع ناقلات بالإضافة إلى خط أنابيب سعودي والعديد من المرافق الأمريكية في العراق".
ولفتت إلى أنه في الشهر الماضي، تجنب بالكاد البلدان الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة؛ بعد أن أسقط صاروخ أرض-جو إيراني طائرة أمريكية مسيرة، أعطى ترامب موافقة مبدئية على توجيه ضربات إلى إيران قبل أن يتراجع ويأذن بشن هجمات إلكترونية على إيران وتوقيع المزيد من العقوبات عليها.
وتابعت الصحيفة البريطانية أن استفزازات طهران مؤسفة لكنها قلما تكون غير متوقعة. وأن استيلائها على ناقلة النفط ستينا إمبيرو يتسق مع العقيدة الاستراتيجية القديمة لإيران، التي ترى أن رد الفعل القوي في وجه الضغوط هو أكثر الوسائل فعالية لردع الوقوع تحت مزيد من الضغوط. في هذه الحالة، فإن الرد المضاد هو جزء من مناورة أوسع تهدف إلى إخراج إيران من حالة حصار اقتصادي محتملة التي قد تفرضها واشنطن.
ورأت (الجارديان) أن قرار إدارة ترامب - في مايو 2018 - بالانسحاب من الاتفاق النووي للعام 2015 أثبت آثارا كارثية، على الأقل من حيث تأثيره على الاقتصاد الإيراني. أدت العقوبات الاقتصادية الأمريكية التي أعيد فرضها إلى خفض صادرات النفط الإيرانية، وقطع علاقاتها المصرفية مع العالم، وتسبب في ارتفاع التضخم ونقص الموارد اللازمة للإيرانيين العاديين، مشيرة إلى أن لدى طهران تجاربا طويلة من التحديات الاقتصادية، بدءًا من ثورة 1979 والحرب الوحشية التي استمرت ثماني سنوات مع العراق. كما يتمتع القادة الإيرانيون بخبرة كبيرة في تخفيف حدة العقوبات الأمريكية. لكن تضييق الخناق على طهران إلى أجل غير مسمى يمثل تهديدًا وجوديًا لنظام يحاول زعماؤه الحفاظ على سيطرته على مجتمع متفاعل متعلم بشكل جيد ومتعطش إلى الفرص والتواصل والاندماج مع العالم.
وذكرت الصحيفة أن القادة الإيرانيين سعوا - في البداية - إلى نيل الإغاثة الاقتصادية من أوروبا، ولكن دون جدوى. الحكومات الأوروبية ملتزمة بشدة بدعم الاتفاق النووي، لكنها أثبتت أنها عاجزة عن منع الشركات الأوروبية من الخروج من إيران خشية العقوبات الأمريكية. ورغم أن أوروبا أطلقت أخيرًا قناة مصرفية لإبقاء جزء من المعاملات التجارية ذات الأغراض الإنسانية مع إيران، إلا أنه من الواضح أن أوروبا لا يمكنها تعويض تكاليف الانسحاب الأمريكي من الاتفاق.
وفي مواجهة الإجراءات القاسية، تستخدم طهران - بحسب الصحيفة - الأدوات المتاحة أمامها؛ قدراتها المذهلة لزعزعة الاستقرار لتغيير الوضع الراهن لصالحها. ونقلت الصحيفة عن المرشد الإيراني علي خامنئي القول إن واشنطن تسعى لإضعاف إيران من خلال الضغوط، وبعد إنهاك البلاد، تسعى لاستخدام المفاوضات كآلية لسرقة الحقوق والإمكانات الإيرانية. كما أصر خامنئي على أنه يتعين على إيران استخدام تكتيكات الضغط الخاصة بها لتتغلب على هذا الفخ.
وأشارت (الجارديان) إلى أنه من وجهة النظر هذه، يحمل تصعيد إيران معنى خطيرا. فالاستفزازات في الخليج تبعث إحساسًا بالاستعجال بين الموقعين الآخرين على الاتفاق النووي. مضيفة "إن تهديد النقل البحري يُصعّد العواقب المرتبطة بالأزمة المستمرة، سواء من الناحية المالية، عبر أقساط التأمين المرتفعة لحركة الناقلات أو الناحية الجيوسياسية، من خلال إثارة المخاوف إزاء مواجهة عسكرية مدمرة".
وبالنسبة لطهران، فإن مخاوف الحرب قد تحفز الجهود الدولية الجدية لكبح سياسات ترامب المتشددة. وقد تؤثر المخاوف أيضًا على حسابات واشنطن، خاصة بالنسبة لترامب الذي يقود حملة إعادة انتخابه حاليًا ويراقب أسعار البنزين عن كثب، والذي ندد طويلًا بالتدخلات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط.
إلى جانب جهودها الأخيرة للتخلص من قيود الاتفاق النووي، فإن المشاحنات المتزايدة في الخليج - حسب رؤية الصحيفة - عززت للأسف موقف إيران. حيث ستحرص طهران على تجنب التصعيد غير المقصود أو الخصام الشامل مع أوروبا، لكن حتى الآن يكتسب الزعماء الإيرانيون المزيد من الزخم نتيجة الأعمال الاستفزازية، على عكس "الصبر الاستراتيجي" الذي أبدوه خلال السنة الأولى بعد خروج ترامب من الاتفاق النووي.
ورأت الصحيفة أن بريطانيا والولايات المتحدة تحتاجان - أيضًا - إلى تحقيق توازن دقيق في الرد على هذا الحادث الأخير. "تجرأت طهران أكثر بعد تردد ترامب في استخدام القوة بعد الضربة التي نفذتها ضد الطائرة الأمريكية المسيرة في يونيو، لذلك من الضروري أن يقدّر القادة الإيرانيون أن تكاليف استمرار مضايقة سفن الشحن المدنية في الخليج ستفوق إلى حد كبير أي نفوذ تأمل إيران في حشده. كما أن وضع جونسون جيد للعمل مع واشنطن على تعزيز هذه الرسالة وإعادة بناء نهج مشترك لحفظ أمن الخليج".
وفي الوقت نفسه، ينبغي على رئيس الوزراء البريطاني الجديد السعي لإنعاش الأساليب الدبلوماسية الجادة مع إيران، ويجب أن تكون التوقعات متواضعة؛ حيث لا يوجد أي احتمال واقعي للتوصل إلى اتفاق شامل جديد يلبي جميع مطالب واشنطن.
واختتمت الصحيفة البريطانية تقريرها بالقول: إن عملية تفاوض جديدة توفر فرصًا لحل قضايا محددة، مثل احتجاز إيران الجائر للمواطنين الأجانب، من بينهم نازانين زغاري-راتكليف، فضلا عن إتاحة المجال أمام الحد من الصراع الدائر في الخليج وإعادة بناء الثقة في أرجاء المنطقة. البديل، المتمثل في التهديدات المستمرة لأهم ممر للطاقة في العالم وإطالة أمد قبضة الولايات المتحدة على الاقتصاد الإيراني، ستكون تكاليفه مدمرة لجميع الأطراف.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة