الفن والثقافة وجهان لعملة واحدة، نظرًا لدورهما الفعال فى المجتمع، والفنان المثقف يستطيع أن يؤثر بشكل إيجابى داخل المجتمع، وبرحيل الفنان فاروق الفيشاوى، اليوم، والذى كان أحد الفنانين المثقفين داخل الوسط الفنى، يجعلنا نسلط الضوء على أبرز نجوم الفن الذين استطاعوا بثقافتهم نشر القيم والمبادئ لتساعد على رفع الوعى لدى معجبيه.
وبما أن رحيل الفنان الكبير فاروق الفيشاوى هو حديث الشارع المصرى بصفة خاصة والوطن العربى بصفة عامة، فنبدأ من أبرز المواقف الثقافية خلال حياة الفنان الراحل، ففى إحدى تصريحاته التى نشرها "اليوم السابع" من قبل، شدد الفنان الكبير فاروق الفيشاوى، على ضرورة العودة مرة أخرى إلى سينما الرواية.
وأشار خلال حديثه، إلى أن هذا الأمر سيعيد السينما المصرية إلى رونقها، وأن المرحلة الماضية التى كانت تقدم فيها روايات نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وغيرهم، كانت السينما المصرية فى أعظم حالتها، وتم تقديم أعمال لا تنسى، لافتا إلى أن هناك كبوة فى السينما بالوقت الحالى، وهذا سر انتشار نوعية واحدة من الأفلام على الساحة.
وكان للفنان الراحل موقف آخر عندما حل ضيفًا على امسية ثقافية لإحياء ذكرى الشاعر الكبير سيد حجاب، فى معرض القاهرة الدولى للكتاب بدورته الـ 49، وخلال الاحتفالية ألقى الفيشاوى قصيدة للشاعر الراحل سيد حجاب تحمل عنوان "لو كنت أميرا من أمراء الحواديت"، ومازح الحاضرين قائلا: إنه لا يعرف أن يقرأ خطه الذى كتب به القصيدة.
وتقول القصيدة: "لو كنت أميرا من أمراء الحواديت/ كنت ادى لكل فقير وفقيرة بيت/ بيت بجنينة مليانة زهور/ وبعشة مليانة كتاكيت/ وأعلّق فوقه قمر بنور/ ونجوم لولى فتافيت فتافيت / لو كنت أمير من أمراء الحواديت/ كنت ادى لـ... وزرائى محاريت/ علشان يشتغلوا بإيديهم ويشوفوا ازاى/ الأرض السمرا لما نحرتها كدة رايح جاى/ بتطلع غلّة وبن وقطن وضل وشاى/ وتطلع غاب نعمل منه الأرغول والناى".
كرم مطاوع والمسرح
الفنان الراحل كرم مطاوع، بدأ حياته الفنية كخرج مسرحى، وحسب ما ذكر عبد الغنى داوود فى مقالاته بجريدة مسرحنا، فإن كرم مطاوع من أصحاب الرؤى الخاصة في تناوله للنصوص المسرحية والطابع المحدد الذي يهتم بالتفاصيل المتقنة الصنع في سينوغرافيا ، مشهدية العرض ...فهو مخرج دارس مثقف ومتأثر بالمدرسة المسرحية الايطالية المنفتحة على كل الاتجاهات والقائمة على الأصول العلمية والقواعد النظرية الثقافية والفلسفية والسيكولوجية والجمالية لذا فهو يؤمن بنسبة العرض المسرحي إلى المخرج قدر نسبته إلى المؤلف وكان ذلك احد أسباب خلافاته الحادة مع يوسف إدريس أثناء تقديم مسرحية "الفرافير" الذي يرى البعض أن (مطاوع) قد شارك مشاركة أساسية في صياغات ( مطاوع ) الجمالية إلى أسلوب ناضج في توظيف فنون ولغات خشبة المسرح وتوظيفها حداثيا، فقد ركز على خدمة الكلمة المنطوقة بأية وسيلة وإبراز المعنى الشاعري أكثر من تركيزه على تضخيم وتفخير العنصر المرئي للعرض في الديكور وغيره.
معركة الفنان محمود مرسى مع رجال الدين
الفنان محمود مرسى
الفنان محمود مرسى كان دائما حريصا على الحضور بالندوات الثقافية.
وفى نهار يوم 8 يناير 1992، ب معرض القاهرة الدولى للكتاب، كان الكاتب والمفكر الكبير فرج فودة، على موعد مع "مناظرة الموت" تلك الندوة النقاشية التى تسببت فى اغتياله نتيجة أفكاره التنويرية على يد بعض رجال الفكر المتطرف.
الكاتب والمفكر الدكتور خالد منتصر، تحدث عن تلك الواقعة، خلال ندوة لمناقشة كتاب "محاكم التفتيش" للكاتبة دينا أنور، مشيرا إلى أن الفنان الكبير محمود مرسى توقع مقتل المفكر الكبير فرج فودة، بعد مناظرته مع الدكتور محمد عمارة بمعرض الكتاب قائلا "الراجل ده هيغتالوه".
وأثناء هذا الوقت كان معروضا على الفنان الراحل محمود مرسى مسلسل العائلة ولكنه رفضه، ولكن بعد اغتيال فرج فودة تراجع عن قراره، وغير رأيه ورأى أن الفن لابد له أن يحارب تلك الأفكار المتشددة الهدامة.
وكان للراحل معركة كبيرة مع رجال الدين المتشددين لما ورد فى المسلسل عن عذاب القبر على لسان محمود مرسى فى إحدى الحلقات، واعتبروه تشكيكا فى الدين، الأمر الذى أدى لصدور بيان عن شيخ الأزهر فى 10 مارس 1994 الموافق 28 رمضان وأكد فيه أن عذاب القبر من العقائد الإسلامية التى يجب الإيمان بها، وهو الأمر الذى سبب تعديل نص العمل خلال الحلقة الأخيرة، من خلال دور للفنان حمدى غيث.
عبدالله غيث وحبه للشعر
الفنان الكبير عبدالله غيث، الذى قدم العديد من المسرحيات والمسلسلات التى أثرت فى المجتمع لما تحمله من رسائل قيم ومبادئ قيمة، فكان الراحل لا يقبل أى دور يعرض عليهن، تحت شعار لا لتنازلات الفنية، فكان يدرس النص دراسة جيدة حتى يقتنع به، مما جعله أبرز نجوم المسرح العربى.
تألق الراحل فى المسرح الشعرى، فلعله أفضل من قدم هذا النوع من الفن فقد كان يلقى الشعر ويغني، وقد رشحه عميد المسرح الفنان يوسف وهبى ليخلفه على المسرح في أداء دوره في مسرحية "الوزير العاشق".
نور الشريف وحبه للقراءة
الفنان نور الشريف كان يؤمن أن دور الفن فى المجتمع لا شك أنه فعال بشكل واضح للغاية، نظرا لما يحتله من مكاتة كبيرة بالنسبة للفرد والمجتمع، لأنه يؤمن برسالته، وحرص الفنان نور الشريف على اختيار اعماله بعناية فائقة، حتى يستطيع أن يقدم قيم ومبادئ تساعد على رفع الوعى وتنمية الثقافة لدى محبيه.
الفنان الراحل نور الشريف كان حريصا على أن يقرأ ويتابع الوضع الثقافى، وحركة النشر ليقتنى ما هو جديد من الكتب، ونرى ذلك عبر أغلب أعماله الفنية، وهذا ليس غريبا على فنان يبدأ حياته ومشواره الفنى بالتمثيل فى إحدى روائع الكاتب العالمى نجيب محفوظ فى "الثلاثية".
وذكرت الفنانة الكبيرة سهير رمزى، فى أحد اللقاءات التليفزيونية أن الفنان الراحل نور الشريف كان "سوسة قراءة" على حد وصفها، مما يدل على حرصه على المعرفة.