أكرم القصاص

23 يوليو فى شهادات الضباط الأحرار.. التاريخ السياسى والاجتماعى وانقطاع تكافؤ الفرص

الجمعة، 26 يوليو 2019 08:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى مناسبة الحديث عن تاريخ ثورة يوليو ومكانها فى التاريخ، يبقى الجدل القائم كاشفا عن حالة من انقطاع الحوار، والإصرار على الاستقطاب والنفى أو التأكيد، التأييد المطلق والرفض المطلق، بينما السياسة والتاريخ مراحل يمكن فهمها فى سياقاتها، الزمان والمكان والظروف المحلية والدولية، ولا يمكن تكرار التجارب، فقط البحث عما يمكن أن يفيدنا من تفاصيل، وهناك آراء تؤكد أنه لا يوجد ما يمكن تسميته « دروس التاريخ».
 
وهناك مقولة للفيلسوف الألمانى هيجل يرى أنه لا يوجد شىء اسمه دروس التاريخ، بدليل أن الأشخاص يرتكبون نفس الأخطاء فى مكان وزمان مختلف، و«23 يوليو» مثل كل حدث ماض تاريخى، يمكن الحكم عليها ضمن سياقاتها وأشخاصها ومراحلها.
 
ربما يكون الهدف من أى قراءة عقلانية، أن ننقذ عقول أجيال جاءت فى مرحلة صعبة، تتعدد فيها الروايات وتختلط بالأساطير، ولا وقت للتوقف أمام التفاصيل والمقارنة بين الروايات، وشاء من شاء وأبى من أبى سوف تحتل الأجيال الحالية الصورة، وتعيش واقعها فى ظل عالم أكثر تعقيدا، يبدو مزدحما بالمعلومات، لكنه يعانى من سوء الحصول على المعرفة، خاصة أن عصر المعلومات يتيح للبعض طرح القصص والحكايات بعد تشويهها، ولدينا نماذج لوثائقيات تتضمن وقائع منتزعة من سياقها، بينما نفتقد لتأريخ حقيقى هادئ. 
«23 يوليو» قطعت ٦٧ سنة ولاتزال محل خلاف واختلاف، ثم إن التاريخ لا يكتب على طريقة «إنه كان هناك»، حيث يسارع كل فرد بكتابة يومياته، هى شهادات فردية يمكن لكل منها أن تمثل جملة أو لا شىء. 
 
 يوليو كانت تحولا فى التاريخ والجغرافيا، بصرف النظر عن موقف الشخص منها، ثم إنها لاتزال محل تأثير وجدل، وجمال عبدالناصر الراحل قبل 49 سنة يفرض وجوده بقوة، ويبقى حاضرا مع أجيال لم تعاصره وولد بعضهم بعد رحيله بعقد وربما عقدين.
 
ولمن يريد فإن عددا من الضباط الأحرار أنفسهم الذين شاركوا فى الأحداث، نشروا مذكراتهم فى السبعينيات والثمانينيات، بعضها موثق والبعض الآخر مجرد حكايات. 
تختلف رواية كل ضابط عن غيرها، فما ذكره ثروت عكاشة، يختلف أو يقترب مما رواه عبداللطيف البغدادى، وجاءت شهادة خالد محيى الدين متأخرة فى التسعينيات وتضمنت رؤية لرجل لم يكن مجرد ضابط ولكنه مثقف وسياسى عاش وشاهد وقارن وكان صاحب مواقف ورؤى. 
 
سياسيا هناك شهادات نشرها الرئيس أنور السادات، أثناء كان نائبا للرئيس عبدالناصر، ثم شهادة أخرى نشرها بعد أن تولى الرئاسة، وبينهما بعض الاختلافات والتفاصيل، ناهيك عما كتبه الراحل أحمد حمروش «قصة الثورة»، ورواية جمال حماد، وهناك شهادات لمعاصرين من اليسار واليمين، وكتابات محمد حسنين هيكل، التى تجمع بين الوقائع والتحليل. 
 
قد يعنى الاختلاف فى الروايات أن أحدها صحيح، وقد يعنى أن هناك رواية نقلا عن أخرى، وأخرى كان الراوى طرفا فيها، وتؤيدها شهادات أخرى. يضاف لذلك ما يتوفر من وثائق تؤيد وجهة النظر أو تنفيها، ولا يمكن تجاهل العوامل الشخصية، ومدى قرب هذا الشخص أو ذاك من الرئيس أو السلطة عموما، كلها شهادات تمثل مواد خام للتاريخ، وليست أحكاما نهائية، من هنا يأتى الخلط بين الأطراف المؤيدة أو الرافضة مع استبعاد من يتخذون زاوية واحدة، أو هؤلاء الذين يفضلون الملخصات والأساطير التى تروج على مواقع التواصل، والتى لا يمكن الاستناد إليها فى تحليل أو فهم. 
 
اجتماعيا فإن الطبقة الوسطى الصغيرة والمتوسطة والفلاحين والعمال فى مصر تغيرت حياتهم، وأصبح لدى أبناء الفقراء فرصة الصعود الاجتماعى بالتعليم والتقدم، ومن تفوق منهم حصل على مكانة اجتماعية نقلته اجتماعيا إلى القضاء والجامعة والجيش والبوليس، لكن من المفارقات أن نفس الفئات التى استفادت من المجانية وتكافؤ الفرص هم أنفسهم الذين ورّثوا أبناءهم مناصبهم، وأوقفوا تكافؤ الفرص، ومنعوها عمن هم فى نفس ظروفهم، فما مدى مسؤولية ثورة يوليو عن هذا؟ وهل يمكن تحميل عبدالناصر مسؤولية ذلك أم الذين تولوا السلطة ولم يحافظوا على الفرص التى حصلوا عليها. 
 
نفس الأمر فيما يتعلق بتدهور التعليم والعلاج، كانت أعداد المدارس والمستشفيات كافية لأعداد المواطنين وقتها، وهذه الخدمات متاحة لـ25 مليونا، عدد السكان وقتها، وتضاعفت السكان من دون خدمات موازية تتضاعف. 
 
وكل هذا مجرد أمثلة تحتاج إلى مناقشات هادئة، بعيدا عن التعصب لاكتشاف مناطق الخلل ومواجهتها بقواعد عصرنا وليس بناء على أساطير وحكايات تخلو من التوثيق. 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة