"مجلس إدارة العالم".. مصطلح أثار سخرية كبيرة، عندما أطلقه أحد الإعلاميين المصريين قبل سنوات، إلا أنه ربما يفرض نفسه في الآونة الأخيرة، في ظل النهج المتشابه الذى يتبناه الساسة الجدد الذين صاروا يحكمون العالم حاليا، وهو ما يعطى انطباعا أننا أمام خطاب سياسى يصل إلى حد التطابق تجاه العديد من القضايا، ليس فقط العابرة للحدود، ولكن أيضا في الداخل.
ولعل انتخاب بوريس جونسون زعيما لحزب المحافظين البريطاني، هو خطوة جديدة في تعزيز النهج اليمينى المتطرف في الغرب، والذى يقوم في الأساس على احترام الخصوصية القومية للدول، وتقديس الحدود الوطنية، وهو النهج الذى دشنته دولا أخرى، وعلى رأسهم الولايات المتحدة والغرب الأوروبى، سواء في إيطاليا أو المجر أو حتى في دول أخرى مازالت تخضع للحكم الليبرالى بينما أصبحت التيارات اليمينية متوغلة بصورة كبيرة في مؤسسات السلطة، من بينها فرنسا، وهو الأمر الذى امتد إلى قارات أخرى من العالم، كالبرازيل أو الهند وغيرها.
إلا أن حالة جونسون تبدو ملفتة للأنظار بصورة كبيرة، ربما بحكم التشابه الكبير بينه وبين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذى لم يقتصر على الخطاب الحاد، وإنما امتد إلى الشكل، حتى أن البعض اعتبر أن صعوده لرئاسة الوزراء في بريطانيا، يمثل تكرارا لما حدث قبل أكثر من عامين في الولايات المتحدة إبان صعود ترامب للبيت الأبيض، وربما كانت التداعيات متشابهة إلى حد كبير، حيث قامت التظاهرات من قبل المعارضين احتجاجا على اختياره، وهو الأمر الذى حدث من قبل في المدن الأمريكية، حيث رفع أنصار المرشحة الديمقراطية للرئاسة الأمريكية في الانتخابات الأخيرة شعار "ترامب ليس رئيسى" في ظاهرة تمثل انقلابا على سياسة احترام الصناديق التي طالما تشدق بها الغرب لسنوات طويلة.
جونسون ربما يحمل نفس سياسات اليمين الغربى بشكل عام، وعلى رأسها مناوئة الهجرة، وعدم قبول المؤسسات وعلى رأسها الاتحاد الأوروبى، وغيرها من الخطوط العامة التي تجد اتفاقا بين كافة المنتمين لتلك التيارات السياسية، إلا أنه ربما يمثل فريقا جديدا، يقوده ترامب، يحمل طابعا مختلفا عن اليمينيين أنفسهم، يبدو واضحا في خطابه الذى يتخلى عن الدبلوماسية التقليدية، والتي يعتادها أصحاب المناصب الحكومية الرفيعة، بينما يرفع لواء التحدى تجاه المعارضين سواء في الساحة الداخلية، أو حتى فيما يتعلق بالسياسات الخارجية، ليس فقط تجاه الخصوم، وإنما أيضا تجاه الحلفاء.
ويمثل الدعم الكبير من قبل الرئيس الأمريكي ترامب لجونسون منذ ما قبل استقالة رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماى، دليلا دامغا على رغبة ترامب في حشد قيادات دوليين تحمل نفس أفكاره ونهجه، ولكن يبقى التساؤل حول ما إذا كان دعم البيت الأبيض لرئيس الوزراء البريطاني دون مقابل، أم هناك ثمن ينبغي أن يدفعه في المقابل حتى ينال الرضا الأمريكي.
بالنظر إلى خلفية ترامب كرجل أعمال، وكذلك لقواعد اللعبة السياسية، فإنه لا يوجد شيء بدون مقابل، خاصة وأن رئيس الوزراء البريطاني الجديد يبدو في حاجة ملحة للدعم الأمريكي في المرحلة المقبلة، خاصة إذا ما أراد الوصول إلى اتفاق تجارى بديل للاتحاد الأوروبى، بالإضافة إلى العودة ببلاده إلى سابق عهدها كقوى دولية فاعلة، عبر البوابة الأمريكية.
تصريحات جونسون حول الخروج من الاتحاد الأوروبى، ولو بدون اتفاق، يمثل عربون يقدمه للرئيس الأمريكي، خاصة وأن الأخير دعا رئيسة الوزراء السابقة إلى اتخاذ هذه الخطوة قبل نحو عام، خلال زيارته الأولى للندن، وربما يتبعها مواقف أخرى، قد تضطر بريطانيا خلالها إلى الدوران في فلك واشنطن في المرحلة المقبلة، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الخلافية، وعلى رأسها الموقف من إيران.
وصول رئيس الوزراء البريطاني الجديد إلى "داونينج ستريت" بالتزامن مع التوترات البريطانية الإيرانية حول احتجاز ناقلة النفط البريطانية، في مضيق هرمز، ربما يمثل فرصة ذهبية له لتقديم المزيد من فروض الولاء والطاعة لواشنطن، وبالتالي تغيير موقفه السابق، تجاه الانسحاب الأمريكي من الاتفاقية النووية، حيث أنه ربما يتخذ خطوة مشابهة في المستقبل القريب، ربما لإظهار "العين الحمراء"، ليس فقط للخصوم، ولكن أيضا للحلفاء في أوروبا، والذين مازالوا يصرون على الاحتفاظ بالاتفاق، على اعتبار أن بريطانيا تحمل مواقفها المستقلة عن شركائها في أوروبا