تفسير القرآن.. ما قاله القرطبى فى "يا أيها الذين آمنوا اعبدوا ربكم الذى خلقكم"

الأربعاء، 03 يوليو 2019 12:00 م
تفسير القرآن.. ما قاله القرطبى فى "يا أيها الذين آمنوا اعبدوا ربكم الذى خلقكم" قرآن كريم
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نواصل، اليوم، الوقوف مع كلام الإمام القرطبى فى تفسيره المعروف بـ"الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآى الفرقان"، ونقرأ ما قاله فى تفسير سورة البقرة فى الآية الـ 21 "يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ".
 
يا أيها الذين آمنوا اعبدوا ربكم الذى خلقكم
 
قوله سبحانه وتعالى: (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) قال علقمة ومجاهد: كل آية أولها (يا أَيُّهَا النَّاسُ) فإنما نزلت بمكة، وكل آية أولها (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فإنما نزلت بالمدينة.
قلت: وهذا يرده أن هذه السورة والنساء مدنيتان وفيهما يا أَيُّهَا النَّاسُ. وأما قولهما في: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) [النساء: 19] فصحيح.
وقال عروة بن الزبير: ما كان من حد أو فريضة فإنه نزل بالمدينة، وما كان من ذكر الأمم والعذاب فإنه نزل بمكة. وهذا واضح. و(يا) فى قوله: (يا أَيُّهَا) حرف نداء أى منادى مفرد مبنى على الضم، لأنه منادى فى اللفظ، وها للتنبيه. (الناس) مرفوع صفة لاى عند جماعة النحويين، ما عدا المازنى فإنه أجاز النصب قياسا على جوازه في: يا هذا الرجل.
وقيل: ضمت أى كما ضم المقصود المفرد، وجاءوا ب ها عوضا عن ياء أخرى، وإنما لم يأتوا بياء لئلا ينقطع الكلام فجاءوا ب ها حتى يبقى الكلام متصلا. قال سيبويه: كأنك كررت يا مرتين وصار الاسم بينهما، كما قالوا: ها هو ذا. وقيل لما تعذر عليهم الجمع بين حرفى تعريف أتوا فى الصورة بمنادى مجرد عن حرف تعريف، وأجروا عليه المعرف باللام المقصود بالنداء، والتزموا رفعه، لأنه المقصود بالنداء، فجعلوا إعرابه بالحركة التى كان يستحقها لو باشرها النداء تنبيها على أنه المنادي، فاعلمه. واختلف من المراد بالناس هنا على قولين:
أحدهما: الكفار الذين لم يعبدوه، يدل عليه قوله: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِى رَيْبٍ) [البقرة: 23].
الثاني: أنه عام فى جميع الناس، فيكون خطابه للمؤمنين باستدامة العبادة، وللكافرين بابتدائها. وهذا حسن.
قوله تعالى: (اعْبُدُوا) أمر بالعبادة له. والعبادة هنا عبارة عن توحيده والتزام شرائع دينه. واصل العبادة الخضوع والتذلل، يقال: طريق معبده إذا كانت موطوءة بالاقدام.
قال طرفة:
وظيفا وظيفا فوق مور معبد
والعبادة: الطاعة. والتعبد: التنسك. وعبدت فلانا: اتخذته عبدا.
قوله تعالى: (الَّذِى خَلَقَكُمْ) خص تعالى خلقه لهم من بين سائر صفاته إذ كانت العرب مقرة بأن الله خلقها، فذكر ذلك حجة عليهم وتقريعا لهم.
وقيل: ليذكرهم بذلك نعمته عليهم.
وفى أصل الخلق وجهان:
أحدهما: التقدير، يقال: خلقت الأديم للسقاء إذا قدرته قبل القطع، قال الشاعر:
ولانت تفرى ما خلقت وبع ** ض القوم يخلق ثم لا يفري
وقال الحجاج: ما خلقت إلا فريت، ولا وعدت إلا وفيت.
الثاني: الإنشاء والاختراع والإبداع، قال الله تعالى: (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) [العنكبوت: 17].
قوله تعالى: (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) فيقال إذا ثبت عندهم خلقهم ثبت عندهم خلق غيرهم، فالجواب: أنه إنما يجرى الكلام على التنبيه والتذكير ليكون أبلغ فى العظة، فذكرهم من قبلهم ليعلموا أن الذى أمات من قبلهم وهو خلقهم يميتهم، وليفكروا فيمن مضى قبلهم كيف كانوا، وعلى أى الأمور مضوا من إهلاك من أهلك، وليعلموا أنهم يبتلون كما ابتلوا. والله أعلم.
قوله تعالى: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) لعل متصلة باعبدوا لا بخلقكم، لأن من ذرأه الله لجهنم لم يخلقه ليتقي. وهذا وما كان مثله فيما ورد فى كلام الله تعالى من قوله: (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ...) ، (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ...) ، (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ...) ، (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) فيه ثلاث تأويلات.
الأول: أن لعل على بابها من الترجى والتوقع، والترجى والتوقع إنما هو فى حيز البشر، فكأنه قيل لهم: افعلوا ذلك على الرجاء منكم والطمع أن تعقلوا وأن تذكروا وأن تتقوا. هذا قول سيبويه ورؤساء اللسان قال سيبويه فى قوله عز وجل: (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) [طه: 43- 44] قال معناه: اذهبا على طمعكما ورجائكما أن يتذكر أو يخشى. واختار هذا القول أبو المعالي.
الثاني: أن العرب استعملت لعل مجردة من الشك بمعنى لام كي. فالمعنى لتعقلوا ولتذكروا ولتتقوا، وعلى ذلك يدل قول الشاعر:
وقلتم لنا كفوا الحروب لعلنا ** نكف ووثقتم لنا كل موثق
فلما كففنا الحرب كانت عهودكم ** كلمع سراب فى الملا متألق
المعنى: كفوا الحروب لنكف، ولو كانت لعل هنا شكا لم يوثقوا لهم كل موثق، وهذا القول عن قطرب والطبري.
الثالث: أن تكون لعل بمعنى التعرض للشيء، كأنه قيل: افعلوا ذلك متعرضين لان تعقلوا، أو لان تذكروا أو لان تتقوا. والمعنى فى قوله: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) أى لعلكم أن تجعلوا بقبول ما أمركم الله به وقاية بينكم وبين النار. وهذا من قول العرب: اتقاه بحقه إذا استقبله به، فكأنه جعل دفعه حقه إليه وقاية له من المطالبة، ومنه قول على رضى الله عنه: كنا إذا احمر البأس اتقينا بالنبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أى جعلناه وقاية لنا من العدو.
وقال عنترة:
ولقد كررت المهر يدمى نحره ** حتى اتّقتنى الخيل بابنى حذيم
 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة