لا جديد.. التعصب والانحياز جزء أساسى من عالم كرة القدم، فهذه اللعبة الأكثر شعبية بالعالم التى تجذب مئات الملايين من البشر الذين ينحازون بعواطفهم ومشاعرهم، ليس فقط لفريق محلى «الأهلى والزمالك»، فالانحياز أصبح عالميا، هناك جمهور هنا وفى العالم لبرشلونة وريال مدريد، أو ليفربول ومانشستر يونايتد.
ثم إن الاحتراف غير كرة القدم لتصبح استثمارا وأنشطة اقتصادية تقوم على الربح والتسويق، وتحول اللاعبون إلى أدوات لتحقيق الأرباح للفرق وما حولها من صناعات وتفاصيل تجارية معقدة.
من هذه الزاوية ونحن ننظر إلى الجدل والصراع الجارى الآن فيما يتعلق بالمنتخب وما يجرى منه وحوله، فى كأس الأمم الأفريقية وقبلها، سواء الانتقادات لسلوك اللاعبين أو رد الفعل عليه، حيث تسود الآراء الجدية الحاسمة التى لا مجال فيها للمناقشة، الجمهور الذى يصعد بلاعب إلى عنان المجد هو نفسه الذى يلعنه بعد موقف أو كلمة أو بوست، ليس مع محمد صلاح فقط ولكن مع غيره.
وبالطبع فإن وجود السوشيال ميديا يضاعف من الإحساس بالغضب أو الفرح، حيث تظهر مواقف جماعية يتجه فيها الجمهور يمينا ويسارا، بصرف النظر عن درجة الاقتناع، وبالتالى فإن المواقف تبدو أكثر سخونة وتطرفا .
وبالتالى فإن كرة القدم لا تعرف المناقشة أو الموضوعية، فهى تنتمى لعالم الانحياز، حيث لا موضوعية فيما يتعلق بالتشجيع للأهلى أو الزمالك برشلونة وريال مدريد إلخ.. والتطرف الظاهر فى المشاعر والعواطف سواء فيما يتعلق باللعب أو التشجيع هو أمر من طبيعة التشجيع.
الأمر الثانى فيما يتعلق بكرة القدم، هو أن الجمهور يعتبر نفسه شريكا فى اللعب والخطط يريد الفوز لفريقه وليس غيره، ومقابل ما يقدمه من دعم وتشجيع وانحياز يطالب بالفوز، ويتحول كل مشجع إلى ناقد رياضى يضع الخطط وينتقد اللعب والتغييرات.
ولهذا فإذا كان موقف الجمهور من المنتخب اليوم وقبل ذلك، يتسق مع هذا الوضع، وكل المعارك والانتقادات للفريق واللاعبين يمكن أخذه فى إطار التفاعل الطبيعى مع الفرق والمباريات.
وكانت السخونة دائما موجودة، يضاعف منها وجود «السوشيال ميديا» بما توفره من تضخيم وتفاعل أكبر لوجود فرصة لدى كل فرد أن يدلى برأيه فى كل الشؤون، فما بالنا بالكرة التى كانت دائما مجالا لإبداء الراى الفنى.
وحتى جماعات التشجيع المنظمة «الألتراس» فهى تجسيد للتعصب بشكل يصل إلى حد الصدام والصراع والتصادم، وهناك حوادث كثيرة لصدامات الألتراس، فى أوروبا قبل أن يصل إلينا، وهو انحياز لا يتعلق بعقل أو منطق قد يكون معتدلا فيظل فى سياق الانحياز الطبيعى أو ينتقل للصدام والصراع.
وقد تحكمت عوامل كثيرة فى مسيرة الألتراس لدينا، عندما تم جره إلى عالم السياسة، فتداخل الانحياز المطلق فى كرة القدم، إلى عالم السياسة الذى يتميز بالنسبية والجدل، وأضر التداخل بالكرة، والسياسة على حد سواء، خاصة فى ظل وجود استقطاب، سياسى وجبهات تجاوزت مواقفها الانحياز فى كرة القدم، إلى تعصب سياسى ينطلق من مواقف عدائية، فقنوات الإخوان فى قطر وتركيا لا تفوت مناسبة أو فرصة من دون أن تحاول توظيفها لأهداف سياسية.
من هنا اختفى الخيط الرفيع بين الكرة والتشجيع من جهة، وبين لجان وقنوات ومنصات ذات أهداف سياسية تدفعها إلى تشجيع الإرهاب والاحتفاء بالعمليات الإرهابية، وهى نفسها تريد إفساد أى فرحة أو مناسبة، ولهذا تظهر سخونة وانحيازات ومواقف تتجاوز الكرة إلى «الكراهية».
وهنا يسقط الحواجز بين الانحياز الطبيعى، وبين التعصب إلى حد التطرف، بفعل الاستقطاب الأعمى.