من كان يمتلك شجاعة القرار ومن كانت لديه القدرة على مصارحة الشعب ومكاشفته بحقيقة الأوضاع الاقتصادية فى مصر، ومن كانت لديه الثقة الكاملة فى هذا الشعب وقدرته على التحمل والصبر عندما يثق فى من يحكمه وعندما يرى فى نهاية النفق نور الخلاص والعبور إلى آفاق التنمية، وعندما يرى بأن هناك على واقع الأرض عمل وعرق وجهد ثم إنجاز لصالح الجيل الحالى والأجيال القادمة.
أستطيع أن أقول أن كل من سبقوا الرئيس السيسي منذ منتصف السبعينات لم تكن لديهم جرأة القرار والقدرة على المكاشفة والمصارحة بشأن الوضع الاقتصادى الداخلى، وكانت النتيجة ضياع فرص ذهبية على مصر وتنميتها وتطورها وخاصة تحسين مستوى معيشة الطبقات الأكثر فقرا والطبقة المتوسطة. فانتشرت العشوائيات فى القاهرة والمحافظات حتى بلغت ما بين 1109- 1171 منطقة وفقا لتقارير مركز معلومات مجلس الوزراء ومعهد التخطيط القومى عام 2007 وسكنها حوالى 15 مليون نسمة بما شكل وقتها 25 % من سكان مصر وتحولت هذه العشوائيات إلى بؤر للإجرام والعنف والتطرف ومأوى لجماعات الظلام ومرتع لها، وتراجع مستوى الخدمات الصحية والتعليمية والخدمات العامة وسيطرت العشوائية على كل مكان فى مصر بسبب تراجع أو تخلى الدولة عن دورها فى تدشين المشروعات القومية الكبرى فى كل أنحاء مصر، وتوفير الآلاف بل الملايين من فرص العمل، وانهارت البنية الأساسية فى الدولة ولم يكن هناك حلول سوى "المسكنات" وإبقاء الوضع على ما هو عليه. ثم جاءت أحداث يناير 2011 وما بعدها، ليزيد الطين بلة وتتفاقم وتتراكم المشاكل المعيشية وكادت أن تصل إلى حد إعلان إفلاس مصر.
الكل يتفق رغم الألم والمعاناة من صعوبة القرارات وتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى أنه لم يكن هناك حل للمريض وللجثة التى تلفظ أنفاسها- وأعنى الوضع الاقتصادى لمصر- سوى بجراحة عاجلة تؤلم المريض ألما شديدا لكنها الحل الوحيد والفاعل لإنقاذ حياته وتعافيه واستعادة حيويته وعافيته حتى يكون قادرا على العمل والإنتاج والتنمية وفق رؤية واضحة وإرادة سياسية متوافرة.
لا أبرر قرار الحكومة بالأمس بالزيادة الأخيرة فى أسعار المواد البترولية.. فهى لا تحتاج إلى تبرير لأنها واقع لم يكن هناك بد سوى اللجوء اليه حتى تستقيم أمور اقتصادية معوجة فى مصر وحتى يذهب بالفعل الدعم إلى مستحقيه.. فقد زاد الحد الأدنى للمرتبات إلى 2000 جنيه وزادت المعاشات علاوة على زيادة الميزانيات المخصصة لبرامج الحماية الاجتماعية وبرنامج التأمين الصحى وتطوير التعليم.. وتحسين الخدمات مثل مشروعات الصرف الصحى ومياه الشرب والكهرباء.
فى السابق تخوفت الحكومات السابقة من ترشيد الدعم منذ يناير 77 التى تحولت إلى "عقدة سياسية" للحكومات اللاحقة وحتى 2012 فسارت بمبدأ المسكنات ومنطق من لا يملك يعطى لمن لا يستحق ولمن يستحق أيضا..فكانت النتيجة أن طبقة شريحة اجتماعية معينة لديها الثروة تستفيد من الدعم المخصص للفقراء وذوى الدعم المحدود واستفاد من يملك سيارة وسيارتين وثلاثة سيارات أحيانا والشركات والهيئات الغنية والسفارات بنفس الاسعار الرخيصة للمواد البترولية فى ظل دعم الدولة بأكثر من 160 مليار جنيه لدعم المحروقات..
هل كان ذلك عدلا أم سفه وإهدار لأموال الدولة لصالح شريحة معينة تمتلك حوالى 7 ملايين مركبة خاصة أى نسبة حوالى أقل من7% فقط من اجمالى عدد السكان فى مصر – 105 ملايين نسمة.
فالقرارات الأخيرة مع باقى خطوات برنامج الاصلاح الاقتصادى جاءت لعلاج التشوهات الاقتصادية والمالية والنقدية وتوفير حوالى 40 مليار جنيه لصالح محدودى الدخل والأكثر احتياجا فى صورة زيادة مرتبات وتحسين مستوى الخدمات ورفع مستوى المعيشة وبرامج الحماية الاجتماعية.
وفى أكثر من مناسبة صرح الرئيس السيسى أنه لن يراعى إلا مصالح وطنه حتى لو جاء ذلك على حساب شعبيته.. وأنه يملك الشجاعة على المصارحة والمكاشفة وارادة الحل من اجل انقاذ الوطن وتحسين معيشة الشعب.
ترشيد الدعم الهدف منه هو توفير فائض مالى تستطيع الدولة من خلاله تنفيذ مشروعات اجتماعية تصب فى صالح المواطن البسيط والأجيال المقبلة وتصب بشكل كلى فى تحسين مستوى النمو الاقتصادى.
الحكومة عليها الآن الدور المهم فى زيادة الانتاج وترشيد وخفض الاستيراد وزيادة الإنتاج وتوفير السلع الغذائية والرقابة على الأسواق والضرب بيد من حديد على جشع التجار وغيرهم..فرد الجميل للشعب يجب أن يكون سريعا ومباشرا.