كان خروج المنتخب الوطنى من دور الـ16 لبطولة الأمم الأفريقية لكرة القدم قاسيا ومؤلما وحزينا ومريرا على جموع الشعب المصرى، التى ملأت جنبات استاد القاهرة فى كل مباريات المنتخب، ولم تبخل بالتشجيع وبث روح الحماس والهمة فى نفوس لاعبى مصر.
الدولة بكل أجهزتها لم تقصر فى شىء وحققت المعجزة فى التجهيز لتنظيم البطولة فى أقل من 5 شهور لدرجة الإدهاش والإبهار الذى شهد به العالم وليست أفريقيا فقط ولم يكن باقيا سوى اللعب بالروح والعزيمة والهمة من لاعبى المنتخب لتقديم صورة مشرفة للكرة المصرية أمام مليار مشاهد حول العالم، لكن جاءت الرياح المسمومة من اللاعبين بما لا تشتهى سفن الجماهير المتحمسة والمتعطشة للفرحة والسعادة.
لم نشاهد فى الملعب - باستثناءات قليلة جدا من اللاعبين - سوى فريق مهلهل فاقد للروح والحماس والهمة.. عديم المسئولية الوطنية لا يستحق ارتداء شعار وطنه الكبير عليه جدا أو ترديد نشيده القومى الذى طالما أبكى الملايين وبث فى عروقهم الغيرة والحمية. لم نر شيئا من ذلك فى أسماء نالت أكثر من حقها ماديا وإعلاميا واجتماعيا وهم فى النهاية ليسوا إلا "شوية عيال" لم تقدر حجم المسئولية الملقاة على عاتقهم وحجم الأمل المتعلق بأقدامهم.. لاعبون يفتقدون لأبسط قواعد اللعبة وتتخلى عنهم الثقافة العامة والكروية أيضا.
فالمسألة ليست مجرد لعبة كرة قدم على العشب الأخضر ولكنها مسالة أكبر خارج الملعب من إعداد بدنى ونفسى وعقلى، أى إعداد الشخصية الوطنية المصرية الجديرة باللعب باسم مصر.. القصة فى العقل والوجدان قبل القدم، وأختلف مع الكثيرين بأن كرة القدم مجرد لعبة لالهاء الشعوب.. على العكس تماما بل أصبحت الكرة لعبة سياسية وصناعية وسياحية أيضا وكل الحكومات الديمقراطية وغير الديمقراطية فى العالم تهتم بها منذ نشأتها، والأمثلة كثيرة.
نحن خسرنا البطولة قبل أن نلعب.. خسرناها خارج الملعب بسوء الاختيارات والمجاملات والدلع والفوضى داخل المعسكر.. خسرناها بالتخلى عن الأخلاق والقيم والمبادئ وضعف الادارة والروح الانهزامية والاستسلام والفهلوة و"البزنسة" والعمولات.
الحكاية ليست مجرد هتافات وجمهور متحمس فقط ودعاء ملايين المصريين، وإنما إدارة مؤهلة صارمة وإعداد جيد واختيارات لائقة للعب باسم وطن يضحى من أجله عشرات الشهداء، فالملعب مثل ميدان المعركة لا بد أن يخوض فيه رجال أبطال أشداء أقوياء وليس "عيال" فوضويين عبثيين مغرورين.. حاولوا بدموع كاذبة تغطية فشلهم فى الملعب.. بكوا كالنساء على ضياع بطولة لم يلعبوا من أجلها كالرجال.
لعله يكون درسا قاسيا رغم مرارة الحزن على الخروج من البطولة التى ما زلنا نفتخر بحسن وروعة تنظيمها.. درسا نتعلم منه وبشدة وليست حالة غضب وموجة حزن وستمر – كما يتوقع الكثيرون - وتعود ريمة إلى عادتها القديمة المألوفة ويعود كل شىء إلى فساده وفوضويته.
درسا نتعلم منه أن لكل شىء علم وإدارة وتخطيط وإعداد جيد والتزام وانضباط ودقة فى التنفيذ، وليست فهلوة وفتونة ودعاء لا يجدى بدون عمل جاد وشاق.
ليست منظومة الرياضة فقط التى تحتاج إلى تغيير شامل، فهناك منظومات أخرى تحتاج إلى نفس التغيير.
عموما.. الصورة ليست قاتمة وإنما هناك جزء كبير منها مشرق ومضيء يتجسد فى الإدارة الفنية المتخصصة فى تنظيم البطولة وهو ما يجب البناء عليه فى جعل الرياضة صناعة تدر دخل قومى.. مصر فازت باستضافة البطولة تنظيمها الرائع المدهش وخسر منتخبنا الفاشل.