"فتش دائما عن المستفيد " مقولة مأثورة ربما تنطبق جملة وتفصيلاً على السياسة الإسرائيلية تجاه يهود أوروبا، حيث تستغل إسرائيل الاضطرابات السياسة فى القارة العجوز من أجل زيادة أعداد المهاجرين اليها ، فمنذ 100 عام كاملة اتبعت الوكالة اليهودية التى كانت مسئولة عن الهجرة الأولى ليهود أوروبا وتهجيرهم إلى أرض فلسطين المحتلة ، لتمرر الوكالة خلف عباءة الاستعمار فكرة إسرائيل وطناً قومياً لليهود.
واليوم، وبعد أكثر من قرن من الزمان يبدو أن اليهود على موعد مع هجرة جديدة، نواتها الاضطرابات التى تشهدها القارة العجوز والتى تحاول من خلالها تل أبيب استغلال "الخريف الأوروبى"، لتقدم نفسها وطناً بديلاً لكل ضحايا مظاهر الاضطرابات السياسية والانفلات الأمنى والاضطرابات السياسية التى شهدتها فرنسا ولا تزال، والتى اكتوت بنيرانها أسبانيا ولا تزال، والتى تهدد لندن وغيرها من الدول الأوروبية التى تعالت داخل دوائرها السياسية دعوات الانفصال عن الاتحاد الأوروبى.
ومثلما استغلت إسرائيل الحرب العالمية الأولى بين دول المحور والحلفاء من أجل تهجير العدد الأكبر من اليهود الأوروبيين إلى دولة فلسطين المحتلة بهدف إقامة دولة الكيان، تسير حكومة بنيامين نتنياهو على النهج نفسه، حيث تستغل حكومة الاحتلال "الخريف الأوربى" الذى هبت رياحه الأولى فى العاصمة الفرنسية باريس فى شهر نوفمبر عندما تظاهر الفرنسيون "أصحاب السترات الصفراء" ضد فرض ضريبة جديدة على الفرنسيين وأدت إلى اندلاع مواجهات بين الشرطة والمتظاهرين، لتنتقل هذه العدوى من باريس إلى بروكسيل وبودابيست وامسترادام وعدد من العواصم الأوربية الأخرى .
فتح الطريق وتهيئته أمام هجرة حالية لليهود لم يكن وليد اللحظة، فقبل قرابة عام وجه رئيس الوزراء الاسرائيلى بنيامين نتنياهو دعوة ليهود أوروبا بصفة عامة ويهود فرنسا على وجه التحديد للهجرة إلى إسرائيل، معتبرا أن إسرائيل أكثر أمناً من أوروبا، ليعرب فى أعقاب تلك الدعوة أكثر من 5100 يهودى عن رغبتهم فى الهجرة إلى إسرائيل وهو الأمر الذى أكدت وزارة الهجرة الإسرائيلية استعدادها لترتيب آليات تنفيذه، حيث قال وزير الاستيعاب والهجرة زائيف الكين، إنه من المتوقع أن يصل المهاجرون من فرنسا إلى إسرائيل حوالى 9000 يهودى فرنسى بحلول عام 2019 .
وفى أغسطس 2017، أطلق حاخام برشلونة الأكبر، مائيير بار حن، بالون اختبار، لتقديم فكرة "الوطن البديل"، بدعوته اليهود الأسبان للفرار مما أسماه بـ"محور الإرهاب الإسلامى" الذى انتشر على حد قوله ـ ليس فقط فى إسبانيا وإنما فى الدول الأوروبية كافة.
وقال بار حن فى مقابلة نشرتها صحيفة الاندبندنت البريطانية حينها، إن "اليهود ليسوا هنا بشكل دائم.. أقول لأبناء طائفتى لا تعتقدوا أننا هنا للأبد.. كما أشجعهم على شراء ممتلكات فى إسرائيل.. هذا المكان أصبح ضائعا.. لا تكرروا خطأ اليهود الجزائريين، واليهود الفنزويليين.. من الأفضل الخروج فى وقت مبكر".
التحرك الإسرائيلى الدءوب لفتح أبواب الأراضى المحتلة ليهود أوروبا استند إلى عوامل عدة بخلاف الاضطرابات السياسية التى تشهدها دول القارة العجوز، فالهجمات الإرهابية التى ضربت عواصم تلك الدول فى الفترة ما بين 2016 وحتى بداية 2018، كانت كفيلة لتبرهن أن تلك الدول بما تمتلكه من إمكانيات أمنية وتكنولوجيا لم تعد فى قوائم الآمنين من بطش الإرهاب، وذئاب داعش المنفردة.
وبخلاف الإرهاب والاضطرابات السياسية، تظل الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب، أحد أبرز مواطن القوة لدى إسرائيل، خاصة بعدما أعلن ترامب القدس عاصمة إسرائيل وبدأ إجراءات نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، لتحظى إسرائيل بضمانات أمريكية غير مسبوقة فى تاريخ دولة الاحتلال.
العوامل السابقة دفعت بدورها الوكالة اليهودية المعنية بتهجير اليهود من دول العالم إلى تخصيص مبلغ 30 مليون دولار كاملة لتهجير اليهود إلى إسرائيل خلال العام 2019، فيما كشفت هيئة الإذاعة والبث بالتلفيزيون الإسرائيلى أن حكومة تل أبيب قررت تخصيص 10 ملايين شيكيل (3 مليون دولار) كميزانية إضافية لجهاز الموساد، بزعم تأمين مؤسسات يهودية فى العالم.
وقالت الإذاعة فى تقرير سابق إن الميزانية الجديدة سيتم تمريرها من خلال وزارة المالية بهدف حماية اليهود خارج دولة إسرائيل، حيث دائما ما تستخدم إسرائيل أسلوب الفزاعة للضغط على يهود أوروبا، فى خطوة ربما يدفعها موجة ثانية ـ معلنة أو غير معلنة ـ لهجرة اليهود إلى أرض فلسطين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة