صراع محموم بدأ مبكرا قبل أكثر من عام من انطلاق الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والمقررة فى نوفمبر 2020، وهو ما يبدو واضحا فى سباق المتنافسين فى الحزب الديمقراطى للفوز ببطاقة الترشح النهائية، والوقوف أمام الرئيس دونالد ترامب، والذى ينال القسط الأكبر من خطاب المرشحين الديمقراطيين، والذى يتجاوز حد الانتقادات إلى حملات من السباب والتخوين فى بعض الأحيان، وكأن المرشح المختار ينبغى أن يكون الأكثر سبابا لترامب.
ربما تكون حملات الهجوم على ترامب طبيعية فى ظل المنافسة الانتخابية، إلا أن شخصنة الهجوم على الرئيس الأمريكى يحمل فى طياته حالة الضغط الشديد التى يعانيها يعانيه الحزب الديمقراطى، سواء بسبب ارتفاع نسبة الرضا على أداء الإدارة الحالية، فى الشارع الأمريكى وبالتالى زيادة أسهم ترامب فى الفوز بفترة ثانية من ناحية، أو بسبب توجه الرئيس الأمريكى الصريح نحو السخرية من مرشحى الحزب الديمقراطى من ناحية أخرى، عبر إطلاق ألقاب عليهم، حيث استهدف بايدن بـ"جو النائم" كما لقبه بـ"المهرج" فى أحد خطاباته، فى حين أطلق على بيرنى ساندرز لقب "الشرير"، كما كان له السبق فى إطلاق لقب "الشمطاء" على منافسته السابقة هيلارى كلينتون.
وهنا يمكننا القول بأن الرئيس الأمريكى تمكن من جر منافسيه إلى معركة شخصية، بعيدا عن السياسة، تزامنا مع تطبيق سياسات تلقى قبولا كبيرا من قبل المواطنين الأمريكيين، سواء تلك المتعلقة بموقفه المتشدد من الهجرة إلى الولايات المتحدة، وهى المسألة التى تؤرق المواطن الأمريكى بصورة كبيرة، بسبب المخاوف الأمنية جراء تدفق المهاجرين بصورة كبيرة، بالإضافة إلى النجاح الاقتصادى الكبير الذى يحققه، والذى يظهر بوضوح فى معدلات النمو المرتفعة التى تشهدها واشنطن فى المرحلة الراهنة.
تركيز ترامب على قضايا المواطن الأمريكى لم تقتصر على الداخل، وإنما امتدت إلى السياسة الخارجية، حيث تبقى معاركه الاقتصادية، مع عدة دول حول العالم، وعلى رأسها الصين، بالإضافة إلى مساعيه للتقارب مع كوريا الشمالية، مؤشرا صريحا على رؤيته القائمة على تطويع الدبلوماسية الأمريكية لتحقيق مصالح الداخل، عبر تنمية الاقتصاد، وتهدئة المخاوف من التهديدات التى يمثلها خصوم أمريكا التاريخيين.
وعلى الرغم من أن الديمقراطيين نجحوا فى الفوز بأغلبية مقاعد الكونجرس، فى انتخابات التجديد النصفى الأخيرة، إلا أنهم لم ينجحوا فى تقديم أنفسهم للمواطن باعتبارهم قادرين على تلبية احتياجاتهم، حيث وقعوا فى فخ "الشخصنة" الذى جرهم إليه الرئيس ترامب، عبر التركيز على كيفية عزل الرئيس، والحديث عن عنصريته، فى الوقت الذى نجح فيه ترامب فى توريطهم أمام الأمريكيين أكثر من مرة عبر تحميلهم مسئولية التهديدات التى تشهدها الولايات المتحدة، بسبب رفضهم بناء الجدار العازل على الحدود مع المكسيك.
يبدو أن الرئيس ترامب نجح فى إخراج الصراع مع الديمقراطيين من إطاره السياسى إلى الجانب الشخصى، بحيث تصبح كافة المحاولات التى يتبناها الحزب الديمقراطى لتشويه صورته مكشوفة أمام الأمريكيين، فى الوقت الذى يحقق فيه نجاحات اقتصادية كبيرة، رغم المعوقات التى يواجهها من قبل الأغلبية بالكونجرس، وربما ساعده فى ذلك غياب الساسة القادرين على مخاطبة الجمهور الأمريكى بين مرشحى الحزب الديمقراطى.
الفشل الخطابى لدى الساسة الديمقراطيين، ربما دفعهم ليس فقط إلى الإنجرار لمعركة شخصية مع ترامب بعيدا عن السياسة، ولكن أيضا إلى سياسة "الاستعانة بصديق"، والصديق هنا هو الرئيس السابق باراك أوباما، والذى تبدو إمكاناته الخطابية الكبيرة السبب الرئيسى وراء فوزه لفترتين رئاسيتين متتاليتين، حيث أصبح الرجل يقود الحملة ضد ترامب، منذ انتخابات الكونجرس الأخيرة، حيث سعى إلى مساندة المرشحين الديمقراطيين وقيادة حملاتهم بنفسه، عبر التنقل بين الولايات، فى محاولة لتحقيق التوازن عبر انتزاع الأغلبية البرلمانية، وهو الأمر الذى تحقق جزئيا بالفوز بانتخابات مجلس النواب الأمريكى.
وهنا يثور التساؤل حول ما إذا كان رهان الديمقراطيين على تشويه ترامب من جانب، وشعبية أوباما وقدراته الخطابية، من جانب أخر، يمكنها الانتصار مجددا على ترامب ومعسكره الجمهورى فى الانتخابات الرئاسية القادمة، فى ظل تصاعد أسهم الرئيس الأمريكى فى الشارع.
فى الواقع يبدو الأمر صعبا إلى حد كبير، خاصة وأن انتخابات الرئاسة تختلف فى طبيعتها عن انتخابات الكونجرس، حيث يبقى اختيار المرشحين فى الولايات مرهونا إلى حد كبير بشخصية المرشح وتاريخه السياسى، بينما منصب الرئيس يرتبط بالإنجازات إلى حد كبير، وهو الأمر الذى يزيد من حجم التحديات التى يواجهها الديمقراطيين قبل المعركة الرئاسية.