عندما تقف أمام المرآة، حاول ألا ترى صورتك الخارجية فقط، بل حاول أن ترى نفسك من الداخل؛ حتى تتعرف عليها، ولكن الأهم أن تراها على طبيعتها، بلا رتوش أو حواجز، قطعًا سينتابك بعض الشعور بالرفض لها فى كثير من الأشياء، ولكن بلا شك، ستعشقها فى أشياء أخرى كثيرة، فالمسألة لا تعدو أن تكون سوى فكرة تعارف فقط، فالإنسان دائمًا ما يسعى إلى معرفة الآخرين؛ حتى يُكوِّن شبكة علاقات اجتماعية لا بأس بها فى حياته، وهذا تصرف محمود فى حد ذاته؛ لأن الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي، لا يستطيع أن يعيش فى معزل عن الآخرين.
ولكن المشكلة، أنه على مدار سنوات حياته لا يُحاول مطلقًا أن يتعرف على أهم شخص فى حياته وهو نفسه، فهو دائمًا ينظر إليها من الخارج، يهتم بمظهره وشكله وهيئته، ورأى الآخرين فى شخصه، ولكن من النادر جدًا أن يهتم بأن يتعرف على نفسه من الداخل، وحتى لو حدث، لا يُحب أن يرى سوى الجانب الإيجابى فقط، والحقيقة أن هذا أمر لا بأس به على الإطلاق، وذلك لعدة أسباب، أولها أن يظل راضيًا عن نفسه، ومتصالحًا معا؛ لأنه لو كرهها وبغضها، ستتحول حياته إلى جحيم، وثانيها أن يثق فى نفسه؛ حتى يستطيع أن يعيش بين الناس.
ولكن، لماذا نربط بين السلبيات الكامنة بداخلنا، وبين رفضنا لأنفسنا؟ فالسلبيات لا تُجرد الإنسان من إنسانيته، بل على العكس، فهى تؤكد هذه الإنسانية، فالله قد خلقنا لكى نُخطئ وفضل الطريق، ثم نتوب ونعود، فهذه هى حكمة الحياة، فكان بإمكانه عز وجل أن يُنزهنا عن الأخطاء، ولكن لحكمته وحده خلق فينا الضعف والخطأ والتردد، وكل السلبيات التى تُحرك إنسانيتنا، فلولا تلك السلبيات، ما كنا عرفنا معنى التسامح، وتقدير ظروف بعضنا البعض، فلو كان الإنسان لا يُخطئ، ما كان تسامح مع غيره، عندما يُخطئ فى حقه، ولو كان لا يستسلم للحظات ضعفه، ما كان قدَّر لحظة ضعف غيره.
لذا، من يكره سلبياته، فهو فى الواقع يكره إنسانيته، فالإنسان خُلِقَ لكى يعيش كل لحظاته، فتارة يُصفق لنفسه على نجاحه، وتارة يُؤنب نفسه على أخطائه، وفى النهاية يسعى لتقويم نفسه، أحيانًا ينجح فى هذا التقويم بتقدير امتياز، وأحيانًا أخرى يضطر لدخول دور ثانٍ، لإعادة الامتحان، وهكذا تستمر الحياة، بين النجاح والإخفاق، ولكن فى النهاية، لا يمكن أن يعيش الإنسان دون أن يتعرف على نفسه، وعليه أن يتقبلها بمزاياها وعُيوبها؛ حتى يتصالح معها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة