بالطبع فإن الصين تعرف أن هونج كونج ليست ميدان تيانانمين الذى اقتحمته الدبابات وسحقت تظاهرات الطلاب فى يونيو 1989، ولهذا تتعامل بحذر أكبر مع التظاهرات التى تدخل أسبوعها الحادى عشر فى هونج كونج. الصين اليوم لاعب صناعى وتجارى واقتصادى كبير يتشابك مع الاقتصاد العالمى أضعاف ما كان عليه الوضع فى نهاية الثمانينيات من القرن العشرين. وهونج كونج ليست ساحة صينية فقط بالرغم من تبعيتها لبكين إداريا، هونج كونج مخزن اقتصادى وتجارى ضخم، تتواجد فيه الشركات الكبرى وتدور فى ماكيناته الاقتصادية مئات المليارات من الدولارات.
الصين تعرف ذلك لكن بكين تعرف أيضًا أن أى إشارة إلى الانفصال هى علامة حمراء توقظ القوة الصينية تجاه جزء منها. ولا تلتفت كثيرا إلى الإشارات الأمريكية وتراها نوعا من حرب تجارية علنية وتشير بأصابع واضحة إلى تصريحات المسؤولين الأمريكيين بأن شؤون منطقة «هونج كونج» الإدارية الخاصة هى «شؤون صينية داخلية»، وعندما غرد ترامب وربط بين المفاوضات التجارية مع بكين وتسوية الأزمة فى «هونج كونج»، ردت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية وذكرت الرئيس الأمريكى بتصريحاته السابقة التى قال فيها «هونج كونج جزء من الصين. يجب أن يتعاملوا مع ذلك بأنفسهم. إنهم لا يحتاجون إلى نصيحة». وقالت الخارجية الصينية «تتمسك الصين بموقف ثابت وواضح بشأن المحادثات التجارية مع الولايات المتحدة. والتوصل إلى حل مقبول للطرفين من خلال الاحترام المتبادل والمساواة».
مستشار الأمن القومى الأمريكى جون بولتون، حذر الصين من خلق ساحة تيانانمين «جديدة» فى ردّها على الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية فى هونج كونج، فى المقابل وجهت وزارة الخارجية الصينية احتجاجًا شديد اللهجة للولايات المتحدة ودعت المسؤولين الأميركيين للكف عن إرسال إشارات خاطئة إلى «الانفصاليين الذين ينتهجون العنف».
وذكر مكتب مفوض وزارة الخارجية الصينية فى هونج كونج على موقعه الإلكترونى أن الصين طلبت من الولايات المتحدة تقديم توضيحات حول اتصالات بين مسؤولين أمريكيين وقيادات من الانفصاليين. كان وصف الانفصاليين والإرهابيين مؤشرا على تصميم بكين على التعامل مع الاحتجاجات فى سياق رفض مشروعات قوانين تسمح بتسليم المجرمين إلى الصين وترى بكين أن أياد أمريكية ومنظمات بغطاء مدنى تعبث فى هونج كونج وتسعى لدعم اتجاهات انفصالية. خاصة أن بكين ترى أن السلطات علقت مشروع القانون، ومع هذا اتسعت الاحتجاجات وعلت الأصوات فيها موجّهة انتقادات أوسع للحكومة برئاسة كارى لام وإلى القادة فى بكين.
الصين ترى الاستمرار فى التظاهرات اندفاعا تغذيه دعاوى انفصالية، وكانت قناة الحرة ووسائل الإعلام الأمريكية سلطت الضوء على الناشط من هونج كونج إدوارد ليونج وزملائه، ووصفته بأنه ملهم المظاهرات وسلطت الأضواء على أفكاره ودعوته العلنية للانفصال عن الصين حيث يرفض اعتبار نفسه صينيا، ويرفع شعارات تعتبرها الحكومة المحلية والمسؤولون الصينيون عدوانا على مبدأ «دولة واحدة ونظامان» الذى وضعته الصين والحكومة المحلية فى هونج كونج منذ استقلال الأخيرة عن بريطانيا سنة 1997.
قالت الحرة إن إدوارد ليونج كون مع مجموعة من الشباب جمعية «هونج كونج الأصليون»، عام 2015. وعندما رشح نفسه للانتخابات اللتشريعية 2016 رفض أن يوقع على وثيقة الترشح التى تؤكد حسب الدستور صينية هونج كونج. ثم وقع مضطرا وتم رفض ترشحه. وتعتبر الصين أن تسليط الضوء على الانفصاليين نوع من الحرب الخفية الباردة ضد بكين.
الصين تتهم الولايات المتحدة لأنها تعبث بمصالحها وتدعم الانفصاليين وتغذى «احتجاجات ملونة» تقود لانفصال وفوضى، ولهذا حركت بكين قواتها بالقرب من حدود هونج كونج وكرر المسؤولون فى بكين تصريحات السفير الصينى فى بريطانيا، ليو تشاومينج، «لدينا ما يكفى من الحلول والقوة التى يسمح بها القانون لقمع أى اضطراب بسرعة». وبينما دعا الرئيس الصينى المحتجين للقاء يستمع فيه إليهم أبدت بكين استعدادها للتعامل بقوة تجاه ما تراه سعى انفصالى، غير عابئة بتحذيرات أمريكية وإشارات من تكرار أحداث ساحة تيانانمين، حيث تصر بكين على صحة موقفها تجاه أى محاولة للانفصال. وترى أنها شأن صينى لا يفترض أن تتدخل فيه أياد خارجية. وتظل هونج كونج فصلًا من حرب باردة لها وجه تجارى وآخر سياسى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة