يُقدِّم مركز المسبار للدراسات والبحوث فى كتاب "صناعة الخوف: رهاب اليمين المتطرف والشعبوية" بانوراما عامة وتحليلاً حول تنامى الاتجاهات السياسية اليمينية والشعبوية فى أوروبا والولايات المتحدة والشرق الأوسط والهند.
تُجمِع خلاصات دراسة صحوة اليمين فى أوروبا على ربطها بالليبرالية الجديدة، وما خلَّفته من زيادة معدل اللامساواة الاقتصادية بين الفئات الاجتماعية، واستُخدِم ذلك لتفسير الاندفاعة إلى الأيديولوجيات المتطرفة والهويات الحمائية المناهضة للعولمة والمعادية للأجانب والأقليات ولقيم الديمقراطية والنساء. انطلقت إحدى الدراسات من فرضية أن "ظروف الأزمة الاقتصادية تُنمى أنواعاً من اللامساواة، وتُمَثِل أرضاً مواتية للتمظهرات اللاعقلانية والعنفية"، يترافق معها، "إعادة إحياء للاهتمامات الدينية لدى العديد من فئات المجتمع التى تجد فى (الأحزاب اليمينية) حاضناً لها ومعبراً عن هواجسها" وهذا يدل على "أن فقدان (السيادة الاقتصادية) يولِّد فى كل مكان موقفاً صلباً يلوّح بفكرة "السيادة الثقافية".
حاولت إحدى الدراسات تعريف "اليمين المتطرف" بأنه مجموعات أيديولوجية تتشارك فى ما بينها بالمعالم التالية: القومية، النزعة العرقية، كره الأجانب، معارضة الديمقراطية، والسلطوية، فلا وجود لحزب أوروبى مهم من الناحية الانتخابية لا يستجيب لهذه المعالم.
نظر بعض المراقبين لوصول العديد من الأحزاب اليمينية إلى البرلمانات الأوروبية، على أنه "انتكاسة" للديمقراطية، ودعا آخرون إلى تبنى تحليل متعدد الاتجاهات لفهم هذه الظاهرة، فلا يمكن الركون إلى التفسيرات السياسية والاقتصادية فقط، بل لا بد من مقاربات تهتم بالأبعاد الثقافية والدينية والهوياتية؛ وقد يكون المدخل إليها التركيز على تمظهرات سلسلة المابعديات المتوالية: ما بعد الحداثة، ما بعد العلمانية، وربما "مجتمع الدولة الحديثة"، وغيرها من مسببات تأجيج النزعات القومية التى تُرخَى فيها الآذان لدعوات "نزع العولمة" وإغلاق الحدود.
تناولت الدراسات عدداً من أحزاب ما يوصف بأنه “اليمين المتطرف” فى أوروبا والتى من بينها: "الجبهة الوطنية فى فرنسا" (التجمع الوطني)، و"حزب البديل من أجل ألمانيا"، محددةً خريطة انتشارها ووزنها السياسي، لا سيما فى ضوء النتائج المترتبة على الانتخابات البرلمانية التى جرت بين عامى (2017-2018). وعلى الرغم من الثقل الذى يتمتع به «هذا اليمين» فهو يواجه عوائق عدة يتمثل أولها فى رفض (القيم الأوروبية) للتطرفات والأصوليات الدينية والسياسية والثقافية، غير أن هذا الأمر على علاقة بالتوترات كافة بين الشرق والغرب وبالمواجهة المتفجرة بين الشمال والجنوب، والتى تُعبر عن نفسها بظواهر عدة لعل أبرز تحدياتها الأخلاقية المتمثلة بــ"المهاجرين" الذين يتدفق غالبهم من دول الشرق الأوسط وأفريقيا، ولأهمية هذه القضية عالج الكتاب مسألة الهجرة وكيفية تعاطى ما يوصف باليمين المتطرف معها، محلِّلاً بناها العميقة ومستكملاً هذا التحليل برؤية اليسار المتطرف أيضاً.
اهتم الكتاب بمنظمة "القوميون الملثّمون" فى الولايات المتحدة أو ما يعرف بــ«كوكلوكس كلان»، وخلص إلى نتيجتين أولاها: «أن تزايد استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى من قبل هذه الجماعات اليمينية والأفراد الداعمين لها، يمكّنهم من الاجتماع والتعبئة ووضع الخطط لهجمات محتملة وغير محتملة»؛ ثانيتها: "تواجه السلطات على نحو متزايد فاعلين منفردين يرتكبون أعمال العنف باسم أيديولوجية تنكر الحريات المدنية الأمريكية وحقوق الإنسان الأساسية لكل المواطنين والمقيمين الشرعيين".
تطرَّق الكتاب إلى مقارنات شرق أوسطية، ثم انعطف نحو دولة أخرى، حيث شهدت الهند ارتفاعاً فى خطاب الكراهية وأعمال العنف، خصوصاً من جانب اليمين الهندي، وفى سبيل فهم هذا "التطرف الديني"، شُرحت سياقاته التاريخية التى يتقدمها سياق تشكل الهوية الوطنية الهندية.
لربما يراهن طيف الباحثين المنتقدين لليمين -بتفاؤل واضح فى هذا الكتاب- على حتمية تراجع اليمين المتطرف، لصالح القيم السياسية العليا للديمقراطية، وقد أراد الكتاب جمع أصواتهم، هنا، منفردة. على أن يفتح فى مساحات أخرى الباب لمزيد من الاتجاهات لسبر غور هذه الظواهر الجديدة وتأثيرها فى حركة الفكر والاجتماع الإنساني. فالحقيقة لا تكتمل إلا بسماع كل الآراء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة