بيشوى رمزى

بين أمريكا وأوروبا .. بريطانيا تبحث عن هويتها

الأحد، 18 أغسطس 2019 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

فى الوقت الذى تضرب فيه الحكومة البريطانية موعدا مع أزمة الخروج من الاتحاد الأوروبى، فى ظل تزايد احتمالات الخروج بدون اتفاق، يبدو أنها ستواجه معضلة أخرى تتعلق بهويتها فى مرحلة ما بعد "بريكست"، وهى المعضلة التى بدأت تتشكل ملامحها منذ وجود رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماى فى منصبها، حيث بدت سياساتها تحمل قدرا من التضارب بين الدوران فى فلك واشنطن من ناحية، أو الولاء لمحيطها الأوروبى من جانب آخر.

يبدو أن صعود الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى البيت الأبيض فى يناير 2017، ساهم بصورة كبيرة فى إبراز معضلة الهوية التى تعانيها بريطانيا، فى المرحلة المقبلة، خاصة مع مواقف واشنطن التى بدت مناهضة إلى حد كبير للحلفاء فى أوروبا الغربية، سواء فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية، هو ما بدا واضحا فى القرار الأمريكى بفرض رسوم جمركية على الواردات القادمة من دول القارة العجوز، أو حتى الموقف غير المسبوق من الاتحاد الأوروبى والناتو، بالإضافة إلى المواقف المتعارضة من بعض القضايا الدولية وعلى رأسها المسألة الإيرانية، والتى تبنى ترامب موقفا حادا تجاهها منذ اليوم الأول لبزوغ نجمه على الساحة السياسية الأمريكية.

رئيسة الوزراء البريطانية سعت إلى التحرك على جميع المسارات، ففى الوقت الذى سعت فيه إلى استرضاء محيطها الأوروبى عبر التفاوض للوصول إلى اتفاق حول "بريكست"، تحركت نحو التقارب مع واشنطن، فقد كانت أول ضيوف ترامب الدوليين على مائدة البيت الأبيض، بعد أيام من تنصيبه، وهى المحاولات التى تهدف فى الأساس إلى الفوز باتفاقات تجارية من شأنها تعويض الخسائر المتوقعة بعد خطوة "الطلاق" البريطانى من أوروبا.

إلا أن سياسة "السير على أكثر من مسار" لم تؤتى ثمارها، خاصة بعد دعوة ترامب الصريحة لماى، ليس فقط بمقاطعة المفاوضات مع أوروبا، ولكن أيضا مقاضاة الاتحاد الأوروبى، بما يعنى رفضه الضمنى لسياسة ماى، ليعيد إلى الأذهان شعار أسلافه الجمهوريين "من ليس معنا فهو ضدنا"، وهو الأمر الذى رفضته رئيسة الوزراء البريطانية، والتى أرادت أن تبقى ممسكة بالخيط الأوروبى عبر التوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبى إلى جانب الفوز بالدعم الأمريكى عقب تحقيق "بريكست"، والذى يعد بمثابة اللبنة الأولى فى تحقيق حلم الرئيس ترامب المناهض للكيان الأوروبى المشترك.

وهنا يصبح الخطاب الذى يتبناه رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون هو بمثابة محاولة استلهام دروس ماى، وهو ما يبدو فى توجهاته الصريحة الداعمة للجانب الأمريكى على حساب محيطه القارى، بدءا من الحديث عن إمكانية الخروج من الاتحاد الأوروبى دون اتفاق، وحتى نشر سفن حربية فى منطقة الخليج، وهو الأمر الذى ربما يرجعه البعض لأزمة احتجاز ناقلة نفط بريطانية فى الأسابيع الأخيرة، ولكنه يحمل فى طياته انحرافا صريحا إلى الجانب الأمريكى، بعد سياسات رئيسة الوزراء السابقة التى حاولت تبنى موقفا محايدا يعتمد على التصريحات المتوازنة من الأزمة الإيرانية حتى لا تخسر أيا من أطراف معادلتها.

جونسون يتجه بوضوح نحو الرهان على واشنطن على حساب شركائه فى القارة العجوز، خاصة وأنه يدرك عجز القادة الأوروبيين على الدخول فى صراع مع البيت الأبيض، وهو ما بدا فى نجاح ترامب فى فرض إرادته عليهم فى كافة القضايا الخلافية من جانب، بالإضافة إلى شعوره بأنهم صاروا يتعاملون مع لندن كدولة "غير أوروبية" منذ استفتاء "بريكست"، والذى أعلن الانفصال بين لندن وبروكسيل من جانب آخر، فى ظل التخلى الصريح عن بريطانيا فى مواقفها الدبلوماسية.

ولعل المثال البارز فى هذا الإطار، يتمثل فى الأزمة البريطانية الروسية، على خلفية اتهام حكومة ماى لموسكو بالتورط فى تسميم العميل الروسى المزدوج سيرجى سكريبال، على الأراضى البريطانية، والتى أسفرت عن قطع العلاقات البريطانية الروسية، حيث كان الموقف الأوروبى باهتا إلى حد كبير، اكتفت فيه دول القارة العجوز ببيانات الإدانة، فى الوقت الذى سارعت فيه أوروبا، سواء على المستوى الفردى (الدول) أو الجماعى (الاتحاد الأوروبى) بتهنئة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بفوزه فى الانتخابات الروسية التى أجريت فى العام الماضى بالتزامن مع الأزمة.

يبدو أن مواقف رئيس الوزراء البريطانى الجديد لا تتعلق فقط بلعبة المصالح، وإنما ترتبط إلى حد كبير بهوية بريطانيا، والتى تبدو أكثر ارتباطا بواشنطن من شركائها الأوروبيين، وهو ما يرجع فى جزء منه إلى العامل التاريخى باعتبار أن أمريكا كانت يوما ما مستعمرة بريطانيا وكذلك التحالف التاريخى بين البلدين والذى دام لسنوات طويلة، أو عامل اللغة، ولكن يبقى الجزء الأكبر مرتبط بقرار الخروج من أوروبا، والذى اعتبره قطاع كبير بمثابة نهاية الهوية الأوروبية لبريطانيا.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة