أنامل صغيرة استطاعت بعزيمتها أن تخرج عن السكون وتتحدى إعاقتها وتخوض تجارب المجتمع لتطبيق فكرة "الدمج المجتمعى"، وإثبات أن ذوى الإعاقة قادرون على صنع الأشياء التى يصنعها غيرهم من الأصحاء ويتفقون عليهم أحياناً.
ففى مطبخ صغير بمركز التدريب الحرفى للمعاقين بمدينة أسوان، يمارس عدد من ذوى الاحتياجات الخاصة هوايتهم فى الطهى وتعليم فنون المطبخ، من خلال مبادرة هى الأولى من نوعها على مستوى صعيد مصر، تضم 13 طفلاً من ذوى الإعاقة، أرادوا أن يخرجوا إلى النور فى الاستفادة من تعليم مهارات يستغلونها فى سوق العمل، خاصة وأن معظمهم يتطلع لأن يصبح شيفاً مشهوراً مثلما يشاهد على شاشة التليفزيون، وآخر يتمنى أن يصنع طعاماً مميزاً للسائحين الأجانب، وغيرهم ممن يتطلعون لمستقبل أفضل.
"اليوم السابع" زار مركز التدريب الحرفى للمعاقين بمدينة أسوان، والتابع للمؤسسة العامة للتنمية وإدارة المشروعات بمديرية التضامن الاجتماعى، والتقى عددا من هؤلاء المتدربين وأسرهم بالإضافة إلى القائمين على التدريب ومسئولى المركز.
بدأت ولاء على أحمد، أخصائية تخاطب، الحديث قائلةً: إن هذه المبادرة تعد هى الأولى من نوعها على مستوى صعيد مصر، فى تخصص تعليم ذوى الاحتياجات الخاصة الطهى وفنون المطبخ خلال الفئة العمرية من 12 وحتى 30 سنة"، موضحةً أن المبادرة بدأت بمطلع شهر يوليو الماضى وتستمر لمدة 3 شهور، وتقدم للمبادرة عدد كبير للاشتراك وتم اختيار 13 متدرب ومتدربة لتدريبهم على ذلك بالمجان، خاصة ممن لديه موهبة ورغبة فى تعليم فنون الطهى وإعداد الأطعمة والحلوى، من بينهم 8 من الصم والبكم، و4 من متلازمى الداون، وآخر من ذوى الإعاقة.
وتابعت ولاء على أحمد، حديثها قائلةً: عندما أتى المتدربون إلى المكان سألتهم عن رغبتهم فى الأكل الذى يفضلونه ويحبون مذاقه، وبدأنا تدريب عملى على هذه المأكولات التى اختارها هؤلاء الأطفال من ذوى الاحتياجات الخاصة، حتى يتمكنوا من صناعة الطعام والحلوى التى يفضلونها أولاً، لافتةً إلى أن ذلك لم يكن بالأمر السهل فى تعليم فنون الطهى خاصة إذا كان المتدربون من ذوى الاحتياجات الخاصة، نظراً لأن ذلك يتطلب قدرات خاصة ووقت طويل، ورغم ذلك فإن المبادرة مجانية تماماً.
وأوضحت أخصائية التخاطب، بأن الهدف من المبادرة ليس قاصرا على تعليم الطهى فقط، ولكن أيضاً لإعداد هؤلاء الأطفال من ذوى الإعاقة وتأهيلهم للدخول فى سوق العمل، مضيفة أنه بعد انتهاء فترة التدريب سيتم اختيار مجموعة منهم لتخصيص منافذ بيع منتجات الطعام والحلوى التى تعلموها خلال التدريب، بجانب التسويق لهذه المنتجات سواء فى محافظة أسوان أو خارجها، لافتةً إلى أن عددا كبيرا من هؤلاء المتدربين لا يحصل على معاش الإعاقة وبالتالى ستكون فرصة لهم فى الحصول على أجر مناسب وتوفير فرصة عمل.
وأشارت الإخصائية ولاء، إلى أنها واجهت بعض الصعوبات فى تنفيذ هذه المبادرة، ومنها أنه فى كثير من الأحيان تتحمل نسبة كبيرة من شراء مستلزمات التدريب والطهى على نفقتها الخاصة، لأن الدعم المادى للمكان قليل جداً، مؤكدةً أن الأطفال يتدربون أيضاً على وسائل الأمان فى المطبخ نظراً لخطورة تعامل هؤلاء الصغار من ذوى الاحتياجات الخاصة مع إشعال البوتاجاز واستخدام السكين وغير ذلك.
مصطفى محمد على، من المتدربين ذوى الإعاقة، قال لـ"اليوم السابع"، إنه أحب الطهى كثيراً خاصة بعد العناية التى شهدها منذ مجيئه للمكان، واستلامه للملابس الخاصة بالتدريب وهى عبارة عن "بالطو" أبيض اللون وغطاء للرأس و"جوانتى" لليدين، موضحاً بأنه تعلم إعداد بعض الأكلات علاوة على تعليمه التعامل مع المطبخ فى إشعال البوتاجاز واستخدام السكين وغسيل الأطباق والاهتمام بنظافة المكان.
دنيا إبراهيم عبد القادر، من ذوى الإعاقة أيضاً، أضافت أنها أحبت المطبخ كثيراً بعد اشتراكها فى التدريب، وعلقت: "أنا بحب الشيف ولاء، لأنى تعلمت منها حاجات كتير"، موضحةً بأن الأطعمة التى تعلمتها مثل: "البيتزا والمكرونة الباشميل والتورتة والكيكة والأرز باللبن"، لافتةً إلى أنها كانت لا تستطيع ارتداء البالطو بمفردها فى بداية حضورها للتدريب ولكن مع الوقت اعتادت على ارتداءه دون مساعدة من أحد.
وتابع الخضر محمد أحمد، من المتدربين أيضاً، بأنه يتمنى أن يصبح شيفاً مشهوراً مثل "الشيف حسن" وأن يطهو للأجانب الذين يزورون مدينته أسوان.
ومن جانبه، أكد محمد سمير العادلى، مدير مركز التدريب الحرفى للمعاقين بأسوان، أن المركز يقدم خدماته لذوى الاحتياجات الخاصة والأصحاء أيضاً بنسبة الدمج المجتمعى، موضحاً بأن المركز يشتمل على تقديم أنشطة مختلفة مثل: "المطبخ التعليمى لإكساب المهارات الحياتية للأطفال حتى يتعلم فنون الطهى وتقديم الأكلات والتعامل مع المطبخ بأدواته، بجانب أنشطة ورشة النجارة الآلية والراوتر والخراطة والزخرفة الإعلانية، علاوة على ورشة الكهرباء والتى تحتوى على صناعة الأبواب الحديد والكيرتال ومعدات لصيانة الأجهزة الكهربائية، وكذلك ورشة سباكة، وأيضاً ورشة تفصيل الأقمشة، واستغلال الموارد البيئية، وورشة للخزف".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة