صحيح أن روسيا والصين وإيران لم تشارك فى قمة السبع التى أنهت أعمالها فى فرنسا، لكن حضور هذه الدول كان قويا، وكانت قمة السبع كاشفة أكثر عن وجود خلافات فى وجهات النظر بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين. وهى خلافات واضحة تشير إلى وجود اتجاهات لإعادة تشكيل موازين القوة فى العالم بناء على سياقات المصالح الاقتصادية. روسيا التى كانت عضوا فى مجموعة الثمان حتى 2014 وتم تجميد عضويتها بعد ضم القرم، كانت حاضرة فى مناقشات قادة الدول السبع. وطرح الرئيس الأمريكى ترامب الأمر، وقال إنه لا يرى داعيا لاستمرار استبعاد موسكو. بل إنه أعلن نيته دعوة الرئيس الروسى بوتين فى اجتماع السبع الذى ينعقد العام المقبل فى أمريكا.
لكن الموقف الأوروبى من روسيا يتجاوز حضور أو عدم حضور موسكو فى قمة السبع، بل إنه يتعلق بتوازنات القوة وإعادة بناء عالم ما بعد الحرب الباردة، وقال الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون، إن نهاية هيمنة الحضارة الغربية حلت، فى ظل التغيرات الجيوسياسية وصعود الصين وروسيا. وأضاف فى خطاب أمام سفراء بلاده الثلاثاء «علينا أن نعيد التفكير بعلاقتنا مع روسيا.. منذ سقوط حائط برلين، والعلاقة مع روسيا تقوم على عدم الثقة، وعلينا ألا ننسى أن روسيا فى أوروبا، ولا يمكننا أن نؤسس للمشروع الأوروبى للحضارة الذى نؤمن به، من دون أن نعيد التفكير بعلاقتنا مع روسيا، ولا يجب أن تكون روسيا الحليف «الضعيف» للصين، فروسيا مكانها فى أوروبا.
الصين كانت حاضرة أيضا فى قمة السبع من خلال الحديث عن إعادة النظر فى اتفاقية منظمة التجارة العالمية، حيث تتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وتتبادل القوتان فرض رسوم جمركية على الواردات البينية. وهى إجراءات تقترب من أوروبا وتثير غضب الحلفاء الأوروبيين لأمريكا.
أما إيران فقد بدت إحدى القضايا المطروحة على مائدة السبع الكبار، من خلال محاولة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف سافر إلى مقر قمة السبع ولم يلتق بالرئيس الأمريكى لكن مصدر دبلوماسى فرنسى قال إن ماكرون، طرح على نظيره الأمريكى خطة فرنسا لخفض التوتر مع إيران، خلال لقائهما فى عشاء عمل على هامش أعمال القمة، حيث اقترح السماح لإيران بتصدير النفط لفترة زمنية معينة، لتطبق إيران فى المقابل الاتفاق النووى المبرم عام 2015، بما يخفض الخلافات فى منطقة الخليج. ماكرون حذر من أن الخلافات الدولية حول التعامل مع الملف النووى الإيرانى قد تؤدى لتصعيد فى المنطقة. ماكرون أشار بصراحة أكثر إلى خسائر أوروبا من الحصار الأمريكى على إيران ضرورة بناء سيادة اقتصادية ومالية أوروبية، وقال فى حديثه للدبلوماسيين «هناك اليوم تبعية للدولار، وشركاتنا فى إيران تأثرت بالعقوبات الأمريكية بسبب هذه التبعية».
الحديث عن إنهاء التبعية للولايات المتحدة على لسان الرئيس الفرنسى، لا يتعلق بفرنسا، لكنه يدخل ضمن أصوات أوروبية بالخروج من دائرة أمريكا، ويعضد من الاتجاه لتوسيع دوائر العلاقات الاقتصادية، بالشكل الذى يختلف عما كان عليه منذ التسعينيات من القرن العشرين، حيث كانت الولايات المتحدة قادرة على فرض إرادتها على أوروبا وشدها إلى غزواتها وصراعاتها. لكن اليوم تبدو الخلافات أكبر وأوضح لأنها تتعلق بإعادة بناء الأقطاب، بناء على المصالح الاقتصادية والتجارية وليس فقط السياسية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة