خلال عام واحد كانت مصر وأفريقيا حاضرة فى العديد من الفعاليات الدولية والتجمعات الاقتصادية والسياسية، شارك الرئيس عبد الفتاح السيسى فى قمة الصين أفريقيا ثم أوروبا أفريقيا، وفى قمة الدول العشرين، ثم قمة السبع الكبار، وأخيرا فى «تيكاد 7» مؤتمر طوكيو الدولى السابع للتنمية الأفريقية فى يوكوهاما باليابان، مع رؤساء الدول الأفريقية، وعدد من المنظمات والمؤسسات الدولية.
كل هذه التحركات المصرية تأتى من إدراك لتحولات اقتصادية وسياسية تدور على خارطة العالم، حيث تتشكل السياسة الخارجية للدول من خلال حزم المصالح، فى ظل منافسة تجارية واقتصادية تحاول فيها كل الأطراف الدفاع عن مصالحها، وتشهد السياسة الدولية تحولا ظاهرا، تحرص مصر فيه على بناء سياستها، استنادا إلى توازنات واضحة، ويظل الخطاب المصرى طوال السنوات الأخيرة ثابتا، يقوم على توسيع دوائر الشركة الاقتصادية، والحرص على وحدة الدولة الوطنية فيما يتعلق بالدول الأفريقية والعربية واللجوء على الحل السياسى فى التعامل مع مفرادات الصراع القائم.
وتؤكد مصر دائما أن التدخلات الخارجية ومحاولات دعم الإرهاب أو الميليشيات، انتهت لتدمير دول وتعقيد الوضع الأمنى والسياسى فى دول القارة، وتدرك مصر جيدا حجم التحديات الاقتصادية، وإعادة بناء التكتلات الاقتصادية التقليدية بناء على القوى الجديدة، وترى أن التنمية وجذب الاستثمارات تتطلب مراعاة مصالح كل الأطراف، فى ظل منافسة واسعة بين الاقتصادات الكبرى على الفرص التجارية والاستثمارية.
ولهذا أشار الرئيس السيسى فى كلمته إلى خطورة النزعات الداخلية وتهديدات أمنية من الإرهاب والهجرة غير الشرعية، باعتبار أن مواجهة هذه التحديات من قبل الدول الكبرى، يساهم بشكل غير مباشر فى صيانة مصالحها، من خلال استقرار يسهل قدرات الدول والشركات على الاستثمار.
ويصعب على أى مراقب أن يتجاهل حجم التغيرات التى طرأت على خرائط النفوذ فى العالم وتشكيلات القوة والتوازنات الدولية والإقليمية، ومن يريد النظر إلى حجم وشكل التحركات المصرية إقليميا ودوليا.
هناك عالم جديد يتشكل يختلف عن عالم الحرب الباردة، وحتى عن عالم ما بعد الحرب الباردة، تشير إليه خرائط التحولات السياسية والاقتصادية، الولايات المتحدة ما تزال قوة كبرى، لكنها ليست تلك القوة التى كانت منذ التسعينيات وحتى العقد الأول من الألفية، عندما كانت النظريات تشير إلى قرن أمريكى ينتهى عنده التاريخ، كان المعسكر الغربى أقوى وأكثر تماسكا. وقادت الولايات المتحدة الغرب فى غزواتها للعراق وأفغانستان.
خلال ثلاثة عقود احتلت القوى الصاعدة أماكنها فى دولاب الاقتصاد الدولى، واليوم تقف أمريكا فى مواجهة الصين فى حرب تجارية واقتصادية واضحة، وسياسيا تبدو روسيا الصاعدة قادرة على لعب دور محورى فى الصراعات القائمة، وقد فرضت وجودها بشكل ظهر بوضوح خلال قمة السبع الأخيرة فى فرنسا.
وفى إشارات واضحة من قبل الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون فيما يتعلق بوجود روسيا ضمن التشكيلة السياسية لأوروبا، وقال الرئيس الفرنسى، بوضوح لسفراء بلاده: إن نهاية هيمنة الحضارة الغربية حلت، فى ظل التغيرات الجيوسياسية وصعود الصين وروسيا، وعلينا ألا ننسى أن روسيا فى أوروبا.
هناك تحولات فى آفاق السياسة، وخرائط للنفوذ الاقتصادى والسياسى، تبدو مصر مدركة لأبعاده، حريصة على بناء شراكة مع أفريقيا وأيضا شراكة أفريقية متوازنة مع عالم شديد التعقيد.