دائما كنا نتساءل: كيف تواجه الدولة عملية الاستغلال المتبادلة بين مختلف فئات المجتمع حتى تحقق الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية؟ ومتى تصل ثمار الإصلاح الاقتصادى إلى الطبقات الفقيرة، وعلى سبيل المثال عندما تم اتخاذ قرار تعويم الجنيه وتقدير سعره وفق تحولات السوق ارتفع سعر الدولار من عشرة جنيهات إلى عشرين جنيها وتضاعفت الأسعار، لكنه عندما تراجع الدولار إلى مستوى ستة عشر جنيها ونصف لم تتراجع الأسعار إلى المستوى الذى يشعر به المواطن، وأصبحت الفئات الأكثر احتياجا أكثر المتضررين من عملية الاستغلال المتبادلة فى المجتمع ، ومن هنا تأتى ضرورة تدخل الدولة بدعم هذه الفئات بحزمة من المساعدات العاجلة والمستدامة بحيث تخفف عنها آثار الإصلاح الاقتصادى وتساندها فى مواجهة صور الجشع والاستغلال.
فى هذا السياق تأتى مبادرة الرئيس «حياة كريمة» لدعم الأسر الأكثر فقراً، والتى أكد على دعمها خلال مؤتمر الشباب السابع فى العاصمة الإدارية الجديدة، بهدف توحيد جهود الدولة المصرية والقطاع الخاص والمجتمع المدنى لمكافحة الفقر ودعم الفئات الأكثر احتياجا خصوصا فى قرى الصعيد التى تأتى فى المرتبة الأولى من حيث الحاجة إلى الدعم وإعادة التأهيل، والارتقاء بجودة حياة المواطن وتمكينه من الحصول على كافة الخدمات، بالإضافة للحصول على فرص عمل أو تعظيم قدراته الإنتاجية، بما يسهم فى تحقيق الهدف من المبادرة وهو حياة كريمة للمواطنين وتعزيز التعاون بينهم وبين مؤسسات الدولة.
مبادرة حياة كريمة تتكامل مع مجموعة البرامج وأشكال الدعم العينى والنقدى الموجه للفئات المحرومة والأكثر احتياجا مثل معاش تكافل وكرامة ومشروعات الإقراض متناهى الصغر «برنامج مستورة» وصندوق تأمين الأسرة وبطاقة الخدمات المتكاملة للأشخاص ذوى الإعاقة وبرنامج «مودة» لحماية كيان الأسرة المصرية، بالإضافة لتطوير أفرع وأنشطة بنك ناصر الاجتماعى لدعم خطوات التنمية المستدامة بالمجتمع وتقديم نماذج متميزة من البرامج التى توفر الرعاية للفئات الأكثر احتياجا بشكل مؤسسى.
كما تعمل المبادرة بالتوازى مع إجراءات تنموية مثل تطوير العشوائيات والمناطق غير الآمنة وتحسين جودة الحياة لأكثر من ثلاثين مليون مواطن ودعم برامج الصحة والتعليم التى يستفيد منها القطاع الأكبر من المواطنين والنسبة الغالبة منهم من محدودى الدخل، ورصد مجموعة من المحفزات لوقف التسرب من التعليم ودعم جهود الأسر لتعليم أبنائها، كما تشمل المبادرة تطوير المنازل وبناء أسقف لرفع كفاءتها، والطرق والكهرباء والصرف الصحى وتوصيل وصلات المياه، فى إطار تطوير القرى الأكثر احتياجا، وكذلك تطوير الوحدات الصحية والاجتماعية والبيطرية بجانب الحضانات والمدارس ومراكز الشباب، دون إغفال التدخلات الصحية مثل القوافل الطبية والعمليات الجراحية والأجهزة التعويضية.
103 مليارات جنيه خصصتها الدولة للمبادرة وبلغت الاستثمارات 4 مليارات جنيه ضمن خطة الدولة لتنفيذ 1252 مشروعا تستفيد منها 624 قرية فى 16 محافظة لقرابة الـ10 ملايين مواطن، ويأتى قطاع التعليم من أهم القطاعات المستفيدة، بنحو 156 مدرسة، وقطاع الصرف الصحى بنحو 257 مشروعا، ونال صعيد مصر 75% من نسبة الاستثمارات المخصصة للمبادرة، وتأتى أسيوط على رأس المستفيدين بـ815 مليونا و270 ألف جنيه، تليها سوهاج بـ595 مليونا و690 ألف جنيه، ثم المنيا بقيمة 468 مليونا و230 ألف جنيه.
المشاركون فى المبادرة من شباب البرنامج الرئاسى أعلنوا تقسيم القرى الأكثر احتياجا إلى 3 فئات حسب نسبة الفقر فى هذه القرى، بالإضافة إلى استهداف الأسر الأولى بالرعاية والأيتام وذوى الاعاقة، بالتنسيق مع الشركاء من المتطوعين ووزارات التضامن والتخطيط والجمعيات الأهلية، ووصل عدد فريق الرصد الميدانى من الشباب إلى 933 شابا موزعين على المحافظات حسب الاحتياج، ففى القاهرة 150 شابا، والإسكندرية 58، والدقهلية 65، والغربية 65، والمنوفية 39، وبنى سويف 56 والمنيا 65، وسوهاج 21، والأقصر 54، والبحر الأحمر 20، ومطروح 51، والجيزة 45، والقليوبية 37، والشرقية 20، وكفر الشيخ 4، ودمياط 34، والبحيرة 10، والفيوم 10، وأسيوط 20، وقنا 25، وأسوان 15، والوادى الجديد 8، والإسماعيلية 18، والسويس 31، وبورسعيد 5، وشمال سيناء 3، وجنوب سيناء 4.
المشاركون المتحمسون من شباب البرنامج الرئاسى أعلنوا عن آلية للرصد والمتابعة لتنفيذ المبادرة بشكل دورى ومتابعة ردود أفعال المواطنين ونقله للجهات المعنية وإيصال المقترحات المتعلقة بتفعيل المبادرة وتجميع البيانات ووضعها أمام متخذى القرار، كما دعوا إلى مزيد من المشاركة المجتمعية الفعالة للإسهام فى حل مشاكل وتحسين مستوى المعيشة فى القرى الأكثر فقراً، بحيث تكون سنة 2020 سنة مخصصة للمشاركة المجتمعية لحشد جهود المواطنين والمنظمات الأهلية فى هذا الصدد.
ما يجعلنا متفائلين ومتحمسين لمبادرة حياة كريمة، أنها تطلق طاقات الشباب فى العمل الميدانى، سواء بالرصد والمتابعة ونقل المعلومات إلى الأجهزة التنفيذية عن واقع القرى الأكثر فقرا والفئات الأكثر احتياجا وكذا التنسيق والتعاون بين شباب البرنامج الرئاسى ومنظمات المجتمع المدنى والقطاع الخاص، وهو ما يجعل من عملية التنمية للفئات المحرومة عملا مشتركا بين كافة مؤسسات المجتمع وليست مسؤولية أجهزة الدولة وحدها بهدف إحداث التحسن النوعى فى معيشة المواطنين المستهدفين ومجتمعاتهم على حد السواء، مع التأكيد على أهمية تعزيز الحماية الاجتماعية لجميع المواطنين، وتوزيع مكاسب التنمية بشكل عادل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة