عندما ضغط الإرهابى عبد الرحمن خالد محمود على زر التفجير للعبوة الناسفة التى يحملها فى سيارة مسروقة ، أوقع فى الموجة الانفجارية 22 ضحية بينهم 16 من أسرة واحدة كانوا يستقلون "باص" عائدين من حفلة عرس فتحول عرسهم إلى مأتم ، هذا إلى جانب عدد كبير من المصابين ، ولم يتساءل الإرهابى عبد الرحمن وهو يقرر الانتحار فى وسط الزحام أمام معهد الأورام بالقاهرة ، عن ذنب الضحايا الذين سيلاقون ربهم معه ، وهل يستحقون قراره بإنهاء حياتهم أم لا ، ففى نظره وفى نظر من علموه ودربوه وأمدوه بالمال والسلاح وأباحوا له سرقة الممتلكات الخاصة ومنها السيارة التى يقودها ، هو فى حالة حرب ضد المجتمع كله ، المجتمع بأطفاله وشيوخه ونسائه ومرضاه وأصحائه ، فجميع المصريين فى نظره ونظر خليته وجماعته أعداء يستحقون الموت ، ولو كان بحوزته قنبلة نووية لفجرها فى المصريين جميعا وأبادهم تنفيذا للأفكار المنحرفة التى تملأ رأسه.
وعندما تأتى قناة الجزيرة القطرية بعد هذا الحادث الذى أدمى القلوب فى العالم كله ، لتبث فيلما ركيكا ، تسعى فيه إلى إضفاء الطابع الإنسانى على عبد الرحمن خالد الإرهابى والخلايا العنقودية التى ينتمى إليها وحركة حسم التى أفرزته وجماعة الإخوان التى تواصل شن الحرب على المصريين بدون تمييز ، فلابد أن نتوقف كثيرا أمام المنطلقات الزائفة التى تستند إليها القناة القطرية فى هذا الفيلم وفى غيره من المواد الإعلامية التى تروج من خلالها إلى المجموعات الإرهابية والتنظيمات المتطرفة التى تسعى لتقويض المجتمعات المتماسكة والدول المستقرة ، خصوصا الدول العربية
أولا – المصطلح المزيف.. " القتل خارج القانون"
تستخدم قناة الجزيرة مصطلحا يبدو براقا وله دلالات يمكن توظيفها حسب السياق ،فى الفيلم الركيك الذى بثته حول نجاح الأجهزة الأمنية المصرية فى فك شفرة الحادث والقضاء على خليتين ضالعتين فى التخطيط له وتنفيذه ، وهو مصطلح " القتل خارج القانون" ، إذ تسعى قناة الجزيرة إلى تصوير النجاح اللافت لأجهزة الأمن المصرية فى التوصل لمنفذ الحادث الإرهابى والأطراف الضالعة معه ، ومطاردتها والقضاء عليها فى عملية نوعية ، بوصفها على أنها عملية قتل أولا وثانيا أنها تمت خارج القانون، وهنا لابد وأن نتساءل ، كيف تسمى الجزيرة عمليات التفجير الإرهابية والهجوم على أكمنة الشرطة واستهداف الأبرياء كما حدث أمام معهد الأورام ؟ ماذا تسمى الجزيرة فى خطابها الإعلامى واسع الانتشار عمليات حيازة الأسلحة والمواد المتفجرة وتدبير الهجمات على المصريين والممتلكات العامة والخاصة ؟ وماذا تسمى مبادرة الإرهابيين وأعضاء جماعة الإخوان وجميع الحركات التابعة لها بالهجوم على قوات الشرطة بما يملكون من سلاح فور شعورهم بانكشاف مخابئهم وبأنهم قد يتعرضون لعملية ضبط ؟ وهل يمكن ضمان الإيقاع بالإرهابيين أحياء وهم فى حالة تسلح كامل ومواجهة شاملة مع الشرطة ومختلف أجهزة الأمن؟ كأن الجزيرة وأمثالها من المنصات الداعمة للإرهاب لا تقبل بأى نجاح للقوات النظامية فى الدول العربية على صعيد ردع الإرهاب والقضاء على المجموعات المتطرفة والخلايا المسلحة ، لأن هذا النجاح ضد المشروع الذى تروج له القناة ومن وراءها ، مشروع تدمير الدول العربية المتماسكة بالإرهاب وتفتيت المجتمعات بالتطرف وخطاب الكراهية ، لكننا مازلنا نتساءل مع أقصى درجات ضبط النفس ،عن القانون الذى يجب ألا نخرج عليه عند التعامل مع الإرهابيين المدججين بالسلاح والراغبين فى تدمير المجتمع؟
ثانيا .. توصيف خلايا الإرهاب والدفاع عن المجتمع
تسعى قناة الجزيرة فى الفيلم الركيك المشار إليه وفى غيره من موادها الإعلامية إلى الانحياز لجماعات الإرهاب وميليشيات المرتزقة التى تقاتل الدول المستقرة ، وفى مقدمتها خلايا الإخوان وإرهابيوها الذين يتلقون الدعم بالمال من الخارج ، للقيام بعمليات ضد سائر فئات المجتمع المصرى من الشرطة والجيش إلى المؤسسات العامة والممتلكات الخاصة وحتى محطات الكهرباء والمستشفيات ، وفى العملية الأخيرة أمام معهد الأورام سقط أبرياء من داخل المستشفى وأبرياء شاء حظهم أنهم كانوا يمرون فى الطريق العام ساعة التفجير ، وبالفعل نشرت الجزيرة خبر التفجير وكأنه انتصار أو خبر مبهج فى جميع نشراتها ومواجزها ، فبم نسمى ذلك؟
كما تسعى "الجزيرة" ،عموما ، إلى تصوير هجمات الخلايا الإرهابية الإخوانية ضد مؤسسات الدولة المصرية والمجتمع، على أنها حرب شاملة من أجل انتزاع السلطة ، وعندما ترد الأجهزة الأمنية على تلك الخلايا الإرهابية بما يليق بها من ردع ، يرتدى الإعلاميون فى الجزيرة قناع حقوق الإنسان والقانون والمواثيق الدولية ، فأين هذه الأقنعة عندما يهاجم الإرهابيون أكمنة الشرطة والجيش ومؤسسات الدولة ؟ وهل أجهزة الدولة المصرية فى حالة حرب مع الإرهاب ، بما يجيز لها استخدام كل الوسائل لردع هذه الخلايا السرطانية أم أن عليها أن تقف مكتوفة أمام محاولات الإرهابيين تقويض الدولة والمجتمع كما حدث فى دول أخرى قريبة جغرافيا؟ ، وهل يجب على مؤسسات الدولة المصرية أن تتساهل مع خلايا الإرهاب كأن تسمح لها بإقامة دويلة مستقلة مثلا ، حتى تجد الجزيرة مادة صالحة تحكى عنها ؟ وحتى يجد سياسيوها ومن يديرون الأمور هناك مبررا للدفاع عن مشروع استعمارى جديد لتفكيك وإعادة ترتيب الشرق الأوسط الكبير؟ أجهزة الدولة المصرية تعلم جيدا أنها تحارب مجموعات منحرفة مشوهة ، وأنها تدافع عن عموم المصريين فى مواجهة الخطر الذى يتهدد حياتهم وممتلكاتهم ، وما دون ذلك لا قيمة له
ثالثا- هل يسعد الشعب القطرى دفاع "الجزيرة" عن الإرهاب؟
لا أدرى بدقة كيف يرى الشعب القطرى توجهات قناة الجزيرة فى دعم وتسويغ الممارسات الإرهابية ، لكنى متأكد دون إجراء أى استطلاعات رأى أن القطريين لا يرضيهم القتل وسفك الدماء وسائر الجرائم التى يرتكبها الإرهابيون ، كما أثق فى تعاطفهم مع المصريين فيما يتعرضون له من هجمات إرهابية خسيسة ، لكنى أتعجب من موقف أمير قطر وبطانته فى حادث التفجير أمام معهد الأورام ، فقد كان أمامه موقف يمكن أن يؤكد من خلاله عداء النظام القطرى للإرهاب ودفاعه عن القيم الإنسانية فى مواجهة أخطر شرور العصر ، لكنه بدلا من ذلك استكان إلى الخطاب الإعلامى التقليدى لقناته المفضلة ، والذى اعتدنا أن يدعم المجموعات المتطرفة وميليشيات وخلايا الإرهاب ، وبدلا من أن ينحاز إلى عموم المصريين وأن يشاركهم مصابهم ويدعمهم فى مواجهة الحرب على شر الإرهاب ، ها هو ينحاز إلى القتلة المجرمين ، ويسمح لخطابه الإعلامى بأن يتحول إلى أداة تزييف ضخمة تقلب الحقائق وتروج للأباطيل التى لا تنطلى على أحد
رابعا .. أين الاحترافية والمهنية فى خطاب الجزيرة
عندما تعالج الجزيرة النجاح الأمنى المصرى فى التوصل لمنفذ الحادث الإرهابى فى أيام قليلة وتصوره على عكس الحقيقة ، فهل يمت ذلك للمهنية أو الاحترافية بصلة؟
الأجهزة الأمنية المصرية نجحت خلال أيام قليلة فى التوصل لمنفذ العملية الإجرامية و نشرت اسمه وصورته والمسئول عن تدريبه وتسليحه ، بل اللقاءات الأخيرة له بالفيديو قبل تنفيذه العملية ، كما أذاعت على شاشات التلفزيونات ، كيف توصلت للمجموعات الإرهابية المعاونة وأين اختبأت هذه المجموعات والخلايا وكيف طاردها رجال الأمن حتى توصلوا إلى مخبئين لها فى الشروق والفيوم ، من خلال أدوات تحليل المعلومات ، وهو جهد ضخم لم تعالجه الجزيرة من زاوية النجاح الأمنى ، ولا من زاوية قدرة الأجهزة الأمنية المصرية على الاستعانة بوحدات جمع وتصنيف المعلومات وتحليلها ، وفق أحدث الآليات التكنولوجية المتبعة
على العكس من ذلك ، قامت قناة الجزيرة بعملية التفاف بشعة على الحقيقة، من خلال عملية إنكار لجهود الأجهزة الأمنية المصرية فى حماية المجتمع ومطاردة الخلايا الإرهابية ، كما أنها ثانيا وهو الأهم والأخطر ، عمدت إلى تشويه هذا الجهد الأمنى الكبير وتصويره على أنه عمل غير قانونى أو أنه تم خارج القانون ، فمن أين استقت الجزيرة وصناع فيلمها هذا الجزم القاطع بأن العملية الأمنية الكبرى هذه تمت خارج إطار القانون؟
هل كانت قناة الجزيرة وإعلاميوها الأشاوس حاضرون مثلا وأجهزة الأمن تستخرج الموافقات القانونية بالتتبع والمداهمة؟ هل كانت الجزيرة حاضرة أثناء مطاردة الخليتين الإرهابيتين فى الشروق والفيوم؟ هل استوثقت الجزيرة من أن عناصر الخليتين الإرهابيتين لم يبادروا الشرطة بإطلاق الرصاص؟ إذن ،على أى أسس تستند الجزيرة فى قطعها بأن تلك العملية الأمنية الكبرى تمت خارج القانون، وعن أى قانون تتحدث الجزيرة؟ وهل يمكن وصف المواد الإعلامية التى تبثها القناة بالمهنية أو الاحترافية ؟! ، أم أنها مجرد عمليات إعلامية خارج القانون المهنى والإعلامى بل وخارج المعايير الأخلاقية والإنسانية؟
سؤال مفتوح بحثا عن إجابة موضوعية
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة