منذ اللحظة الأولى للإعلان عن إجراء استفتاء بين البريطانيين للخروج من الاتحاد الأوربى، تواصلت حالة الانقسام والارتباك فى بريطانيا، وما تزال تثير غبارا سياسيا، فقد أطاحت نتائج الاستفتاء برئيس الوزراء الأسبق ديفيد كاميرون. بينما أطاح فشل الاتفاق للخروج بتريزا ماى، فيما يواجه بوريس جونسون صراعا معقدا، يحاول أن يخرج منه منتصرا، ويواجه اتهامات من المعارضة بالانقلاب على المبادئ الدستورية، بينما يسعى لإنهاء عملية الخروج بأى شكل، وحتى لو من دون اتفاق، الأمر الذى يهدد بتداعيات خطرة على الاقتصاد والأعمال والتنقل والعملة البريطانية، فضلا عن تداعيات سياسية تتعلق بوضع إيرلندا الشمالية وحدودها مع الاتحاد.
وفى المقابل يراهن جونسون على مؤيدى «بريكست» الذين يرون الحديث عن تهديد للاقتصاد أمرا مبالغا فيه، جونسون الذى يبدو أكثر تهورا، يعد البريطانيين بازدهار وخروج بلا خسائر، ويتهم المعارضة بالسعى لإفشال الخروج والالتفاف على نتائج الاستفتاء، باعتبار أنهم رفضوا اتفاق تريزا ماى ثلاث مرات، ويعجزون عن تقديم بدائل غير البقاء فى الاتحاد الأوربى أو تأجيل الخروج.
بينما تستعد بريطانيا لتنفيذ عملية الخروج من الاتحاد الأوربى بناء على استفتاء يونيو 2016، وتواجه المملكة تقاطعات وانقسامات سياسية، خاصة بعد قرار رئيس الوزراء بوريس جونسون بتعليق أعمال البرلمان خمسة أسابيع حتى منتصف أكتوبر، وفى حين اعتبرت المعارضة قرار تعليق البرلمان انقلابا على الديمقراطية، وافقت ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، على طلب الحكومة ليبدأ تجميد أعمال البرلمان خلال أيام.
بوريس جونسون يعرف أن لعنة بريكست التى أصابت كل من اقترب من هذا الملف، بدءا من ديفيد كاميرون الذى قرر إجراء الاستفتاء لحسم الموقف من الاتحاد الأوربى، وسط توقعات بأن االبريطانيين سيرفضون الخروج، لكن البريطانيين صوتوا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبى بنسبة 51.9 فى المئة، مع نسبة مشاركة بلغت 72.2 فى المئة.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد كانت هناك أصوات للاقتصاديين وأصحاب الأعمال تحذر من استفتاء سوف يقود لفوضى وخسائر اقتصادية وتجارية، ولم تخل نتائج التصويت من مفارقات كشفت عن انقسامات، حيث صوتت لندن واسكتلندا وأيرلندا الشمالية لصالح البقاء، بينما صوتت ويلز وشمال إنجلترا للخروج.
استقال ديفيد كاميرون، وخلفته تريزا ماى، التى خاضت معركة لعقد اتفاق للخروج مع الاتحاد الأوربى، لكن الاتفاق لم يحظ بموافقة البرلمان ثلاث مرات، واستقالت ماى، وتبعها بوريس جونسون، الذى يراهن على أن ثمن بريكست تم دفعه، من رئيسى وزراء، وعدد من الوزراء استقالوا أثناء رئاسة ماى للوزارة.
ولهذا يراهن جونسون بقرار تعطيل البرلمان، على السعى لعقد اتفاق جديد مع الاتحاد الأوربى يخفف من مخاوف انهيارات وتراجعات اقتصادية، وعليه أن يقنع الجمهور باتفاق أو يخرج من دون اتفاق مثلما سبق له وأعلن.
المعارضة أعلنت على لسان رئيس حزب العمال، جيرمى كوربينان تعطيل البرلمان «انتهاك دستورى، وتهور ومحاولة لتجنب الرقابة على خطط الحكومة الرعناء لإخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى دون اتفاق».واعتبر رئيس مجلس العموم البريطانى، جون بيركو، قرار جونسون بأنه «انتهاك القيم الدستورية يهدف إلى منع النواب من مناقشة عملية الخروج من الاتحاد الأوروبى ومنعهم من أداء دورهم فى رسم مستقبل البلاد». جيرمى كوربين كان أرسل خطابا مكتوبا للبرلمان قبل أسبوعين دعا فيه إلى سحب الثقة من جونسون، وتنصيب نفسه رئيسا مؤقتا للوزراء، وتأخير بريكست، والدعوة لانتخابات مبكرة، وتدشين حملة لإجراء استفتاء جديد، وقال كوربين لصحيفة أوبزيرفر إن خطته هى الطريقة «الأبسط والأكثر ديمقراطية» لمنع الخروج دون اتفاق.
لكن بوريس جونسون، نفى سعيه لمنع البرلمان من إيقاف خطط خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، وقال إن البرلمان سيعود فى 14 أكتوبر وسيكون لديه الوقت لمناقشة الخروج من الاتحاد الأوروبي. بينما جاكوب ريس القيادى فى حزب المحافظين والمؤيد للخروج من الاتحاد الأوروبى، اعتبر معارضى جونسون أنهم يرفضون البريكست ويريدون الالتفاف على نتائج الاستفتاء.
وتبقى الأسابيع المقبلة هى الأكثر حرجا منذ الاستفتاء، ليتقرر ما إذا كان بوريس جونسون سيصمد فى مواجهة المعارضة، وينجح فى الخروج من دون تداعيات كارثية على البريطانيين، أم أنه سيلحق بكاميرون وماى فى قائمة من أصابتهم لعنة بريكست، وهو أمر قد لا يكون ذا تأثير على بريطانيا فقط، لكنه قد يؤثر على بنيان الاتحاد الأوربى كله ضمن تحولات فى تشكيل القوة والنفوذ فى العالم.