كانت الساعة الخامسة مساء 12 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1931 حين وصل الطراد «أورسيتى» من سوسة إلى ميناء بنغازى فى ليبيا حاملا معه الأسير عمر المختار، حسبما يذكر الجنرال الإيطالى «غرازيانى» الحاكم العسكرى لبرقة فى مذكراته «برقة الهادئة»، بعد أن تم القبض عليه يوم 11 سبتمبر، «راجع، ذات يوم 2019».
يصف غرازيانى الذى اشتهر بلقب «جزار برقة» مشهد وصول المختار: عندما وصل الأسير إلى بنغازى لم يسمح لأى مراسل جريد أو مجلة ينشر أخبار أو مقابلات، وكان على الرصيف مئات من المشاهدين، ولكن لم يتمكن أى شخص مهما كان مركزه أن يقترب من الموكب المحاط بالجنود المدججين بالسلاح، ونُقل فوق سيارة السجن تصحبه قوة مسلحة بالمدافع الرشاشة، حيث أودع فى زنزانة صغيرة خاصة منعزلة عن كافة السجناء السياسيين وتحت حراسة شديدة وجديدة، وعندما أجرى التفتيش عليه وُجدت معه أحزمة من الورق تدل على أنها وثائق رسمية، ولكن لم تكن ذات أهمية كبرى.
يكشف «غرازيانى»، عن الحوار بين المختار ومرافقيه.. يقول: «أعطى لنا معلومات هامة عن كيفية سقوطه فى الأسر والقبض عليه، قائلا، بعدما ضرب جواده وسقط به على الأرض فجرحت يده اليمنى، مما سبب له بعض التشقق فى عظام ذراعه، ورغم هذا الألم حاول جر نفسه ليبتعد ويختفى فى إحدى شجرات الغابة، ولكن فرقة الفرسان حالت بينه وبين غرضه، وتعرف عليه أحد الصوارى من فرقة الفرسان، وسرعان ما أحاطت به قواتنا، وتأسف كثيرا أثناء حديثه بأن رفاقه حاولوا إنقاذه بكل وسيلة، وضاع منهم بعض الرفاق، ولكن الكثرة حالت دون بغيتهم، كذلك قلة الذخيرة لها عاملها الأصلى فى عدم إنقاذه، وأثبت كذلك أن وقوعه فى الأسر لا يعنى توقف الثورة والجهاد، بل هناك أربعة من القادة يحلون محله وهم: الشيخ محمد بوموس، عثمان الشامى، الشيخ عبد الحميد العبار، ويوسف بروحيل المسمارى، وهذا الأخير أقربهم إليه لأنه كان دائما بجانبه.
كشف المختار عن عدد المجاهدين معه، مؤكدا أنهم 500 مقاتل عادى، و400 فارس، لكن غرازيانى يرى أن هذا العدد فيه مبالغة، قائلا: «حسب طائراتنا الاستكشافية فإن عدد الجنود التابعين لعمر المختار لا يزيد عن 150 مقاتلا.. يذكر غرازيانى، أن المختار أكد أن وقوعه فى الأسر لا يؤثر ولا يغير سير القتال، بل سيزيد قساوة، وينقل على لسانه: إنى أحارب الإيطاليين الفاشيستيين، لا لأننى أكره الشعب الإيطالى، ولكن دينى أمرنى بالجهاد فيكم لأنكم أعداء الوطن، استولى الفاشيون على الحكم فى إيطاليا، أكتوبر 1922.
تطرق الحديث بين المختار ومرافقيه من سوسة إلى بنغازى إلى موضوعات أخرى «ليست ذات أهمية كبرى» بوصف غرازيانى، مؤكدا: قال المختار كلمات تاريخية هى: إن وقوعى فى الأسر بكل تأكيد بأمر الله وسابق فى علمه سبحانه وتعالى، والآن أنا بين يدى الحكومة الإيطالية الفاشيستية، وأصبحت أسيرا عندها، والله يفعل بى ما يشاء، أخذتمونى أسيرا ولكم القدرة أن تفعلوا بى ماتشاؤون، والذى أريد أن أقوله بكل تأكيد، أننى لم أفكر فى يوم من الأيام أن أسلم نفسى لكم مهما كان الضغط شديدا، ولكن مشيئة الله أردات هذا، فلا رد لقضاء الله.
يكشف «غرازيانى» أن خبر القبض على عمر المختار جاء إليه عندما كان متهيأ لركوب القطار للسفر إلى باريس لحضور حفل افتتاح معارض المستعمرات، وأنه ترك قبل سفره تعليماته إلى جهات الاختصاص، يشدد فيها على التمسك بخططه المرسومة، وطرح فيها إجابة على سؤال: لماذا المقاومة؟».. يستخدم «غرازيانى» وصف «المقاومة» على قواته، بما يعنى فى المقابل أن المجاهدين «قوات معتدية»، وتلك عادة الاحتلال فى كل زمان ومكان الذى يرى فى الأرض التى يحتلها حق له.
يجيب غرازيانى على سؤاله: عمر المختار لن يسلم لأن طريقته فى القتال ليست كالقادة الآخرين فهو بطل فى إفساد الخطط وسرعة التنقل، بحيث لا يمكن تحديد مواقفه لتسديد الضربات له ولجنوده، أما غيره من الرؤساء مثل السنوسيين فإنهم أسرع من البرق عند الخطر فيهربون إلى القطر المصرى تاركين جنودهم على كافة القدر معرضين لخطر الفنا».. يضيف: عمر المختار عكس هذا فهو يكافح إلى أبعد حد لدرجة العجز ثم يغير خطته، ويسعى دائما للحصول على أى تقدم مهما كان ضئيلا، بحيث يتمكن من رفع الروح العسكرية ماديا ومعنويا حتى يفضى الله أمرا كان مفعولا وهنا يسلم أمره كمسلم مخلص لدينه.
حدد غرازيانى يوم 15 سبتمبر موعدا لمحاكمة المختار، وقبل بدء المحاكمة حدث لقاء بينهما، فماذا جرى فيه؟
قال عن كيفية سقوطه فى الأسر والقبض عليه، إنه بعدما ضرب جواده وسقوط به على الأرض جرحت يده اليمنى، مما سبب له بعض التشقق فى عظام ذراعه، ورغم هذا الألم حاول جر نفسه ليبتعد ويختفى فى إحدى شجرات الغابة، ولكن فرقة الفرسان حالت بينه وبين غرضه.