كان تاريخ يوم 11 سبتمبر 2001 نقطة فارقة فى تاريخ العالم العربى والشرق الأوسط، فقد كانت الهجمات التى نفذها تنظيم القاعدة بداية للكثير من التحولات التى تجسدت فى حروب وغزوات امتدت طوال مدة تولى جورج دبليو بوش الرئاسة، واستمرت خلال فترات رئاسة باراك أوباما. كان غزو أفغانستان ثم العراق، وكانت أهداف هذه الغزوات، كما أعلنها جورج بوش الابن هى مطاردة الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل، وعندما بدا أن كلا الهدفين لم يتحقق، أعلن بوش أن الهدف هو نشر الديمقراطية فى أفغانستان والعراق، وللمفارقة أنه بعد 18 عاما على هجمات سبتمبر لم تخطُ أفغانستان والعراق أى خطوة تجاه الديمقراطية، بل العكس هو الصحيح، فقد بدا أنهما تسيران فى طرق مرتبكة أقرب للفشل، ولم يتحقق حتى الحد الأدنى من الاستقرار.
الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بدأ مفاوضات مع حركة طالبان تمهيدا لسحب القوات الأمريكية من أفغانستان، وطالبان هى الهدف الأول للغزو الأمريكى فى أفغانستان مع تنظيم القاعدة، لكن القصف لم ينه القاعدة ولا طالبان، التى أصبحت طرفا فى مفاوضات توقفت مما يشير إلى مزيد من الدم والقتل تزامنا مع انتخابات قادمة، وبمناسبة إعلان الانسحاب الأمريكى من أفغانستان، قدرت دراسة أجرتها جامعة براون الأمريكية تكاليف الحرب فى أفغانستان بتريليون دولا (ألف مليار دولار)، وتقريبا تقترب تكاليف الحرب على العراق أكثر من هذا المبلغ، ناهيك عن ملايين القتلى والجرحى من العراقيين ومئات المليارات تم نهبها من ثروات العراق.
النتيجة أنه بعد 18 عاما على هجمات 11 سبتمبر تم غزو أفغانستان والعراق، ولم ينته الإرهاب، وقد تضاعف واتخذ أشكالا جديدة، أما الديمقراطية التى بشر بها جورج بوش فقد راحت أدراج الرياح. لكن المفارقة أن قرار جورج دبليو بوش بغزو العراق وإسقاط صدام حسين ونظام البعث اتُخذ بناء على معلومات قدمتها المعارضة العراقية خاصة المؤتمر الوطنى المعارض بقيادة أحمد الجلبى، والذى قدم معلومات أقنع بها بوش والمخابرات الأمريكية بأنه صاحب شعبية كاسحة وقادر على إسقاط صدام وحكم العراق، وبالفعل حصل المؤتمر الوطنى العراقى على 100 مليون دولار من المخابرات المركزية سى أى إيه، حسبما نشرت نيويورك تايمز بعد وفاة الجلبى، وأعلن دونالد رامسفيلد أن البنتاجون منح الجلبى 200 مليون دولار أخرى، ومع هذا فقد وصفت نيويورك تايمز عام 2015 الجلبى بأنه تجسيد لكل الإخفاقات والمصائب والكذب، وأنه وزملاءه كانوا عملاء الـ«سى آى إيه»، يحظون باحتقار بالداخل والخارج، لأنهم ساعدوا فى غزو بلادهم بأدلة مزورة.
بعد غزو العراق، كما ذكر بول بريمر، أول حاكم عسكرى للعراق، فقد طلب الأمريكان من الجلبى والمعارضة أن يذهبوا للعراق ويقدموا كوادرهم الشعبية التى أعلنوا أنها ضخمة، لكن المفاجأة أن الجلبى طلب نزول العراق فى دبابات وتحت حماية القوات الغازية، وعندما طلب منهم بريمر أن يقدموا تصورهم للحكم والديموقراطية طلبوا حل المؤسسات الأمنية والسياسية، وعندما بدأت العملية السياسية لم يحصل الجلبى وحزبه إلا على 3 مقاعد فقط، الأمر الذى شكل صدمة للغزاة.
كانت التجربة كاشفة عن غياب أى نوع من الشعبية لدى المعارضين الذين سهلوا عملية الغزو وطالبوا بها، وتكشف أنهم بلا أرضية شعبية أو سياسية فى العراق، واتهم الجلبى بالتجسس ثم الفساد وتم اقتحام منزله وتحديد إقامته، وبعد وفاته صدر العديد من التقارير عن حجم الأموال التى تلقاها المنشقون العراقيون وحجم المعلومات الكاذبة التى قدموها عن شعبيتهم وحب الشعب العراقى لهم، بينما اختفى بعضهم أو هرب أو اغتيل، وبعضهم رفض الذهاب للعراق وطلبوا جنسيات أخرى.
والمثير أن تجربة الغزو تكررت مع باراك أوباما فى ليبيا مباشرة، حيث تدخل حلف الناتو لإسقاط القذافى، تاركا ليبيا فى فوضى الميليشيات، ولم تظهر المعارضة التى طلبت التدخل الأطلسى، وتكرر الأمر جزئيا فى سوريا حيث تم تقديم السلاح لمعارضة اختفت وحل مكانها تنظيمات إرهابية مثل داعش والنصرة، وأثبتت التجارب المتكررة أن المنشقين ومعارضى المؤتمرات بالخارج هم مجرد تجار حرب يسهلون الغزو ويعجزون عن إقامة الديمقراطية التى يبشرون بها أمام الغزاة، وبالرغم من فشل تجربة «المقرطة» بالغزو فى أعقاب 11 سبتمبر، فى أفغانستان والعراق، فقد توسع الإرهاب وتدهورت الأحوال السياسية والاجتماعية، ولم يثبت الغزو أنه مقدمة لديمقراطية على أنقاض الدولة وبمجهود الجلبيين والمنشقين وتجار الغزو.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة