بدون مقدمات أو عبارات إنشائية، أو مداخل أدبية عن أهمية البنوك ومكاتب البريد، فى الحفاظ على أموال المودعين، ودورها الرئيسى فى التنمية والاستثمار، أود الدخول فى الموضوع بصورة مختلفة، تتصل بالمرحلة الأخيرة من سلسلة الإجراءات الطويلة التى تمر بها التعاملات البنكية، التى تنتهى لدى المواطن عند "ماكينة الصراف الآلى " بصوتها الشهير، " تررررر" الذى تطرب له الأذن، وترتاح له النفس، وقل ماشئت من عبارات ومعان، فى هذا السياق.
يبلغ عدد ماكينات الصراف الآلى وفقا لأحدث الإحصائيات المنشورة، حوالى 12 ألف ماكينة، على مستوى الجمهورية، يتركز أغلبها فى القاهرة الكبرى والإسكندرية والمدن الساحلية والسياحية الرئيسية، بينما تقل أعدادها بصورة واضحة فى المناطق الشعبية والريفية ومحافظات الصعيد، والقرى الموجودة بها، بصورة تصل إلى ماكينة واحدة فى كل قرية أو ماكينة على كل أربع قرى صغيرة.
لو افترضنا أن كل المواطنين لديهم حسابات بنكية، فهذا يعنى أن كل ماكينة تخدم حوالى 8333 شخصا، ومع فكرة المرتبات الحكومية التى يتم صرفها بصورة مركزية، خلال فترة من يوم إلى ثلاثة أيام فى مختلف القطاعات، فهذا يخلق زحاما غير طبيعى على هذه الماكينات بصورة مبالغ فيها، حتى وإن كان نصف هذا العدد فقط يمتلك حسابات بنكية، بما يعنى أن الماكينة الواحدة تخدم حوالى 4166 شخصا، أو حتى الربع للعدد المذكور، بما يعنى أنها تخدم 2083 شخصا، ولو افترضنا أن هؤلاء الأشخاص يقفون على مدار يومين أمام ماكينات الصراف الآلى فإن اليوم الواحد سيكون من ينتظرون دورهم 1041 مواطنا، اليوم 24 ساعة، لو افترضنا أن كل مواطن يحتاج 3 دقائق حتى يتمكن من صرف راتبه أو مدخراته، فإن 480 شخصا فقط سيحصلون على هذه الخدمة والباقى سيحتاجون إلى يومين إضافيين، للقيام بنفس المهمة، مع مراعاة أنه لو انتظم الجميع فى طابور سوف يكون الفارق بين الأول فى هذا الطابور والأخير 24 ساعة، دون أى نقص فى المعدل سواء ليلا أو نهارا.
هذه " الحسبة " البسيطة نراها فى القرى المصرية والمراكز بالمحافظات سواء بالوجهين البحرى أو القبلى، فطوابير ماكينات الصراف الآلى لا تنقطع أو تتوقف أو تخلو من الزحام، خاصة فى أيام صرف المرتبات، التى كما ذكرت تتركز فى الأيام الأولى من كل شهر، بينما باقى الأيام تكون فيها مساحات أوفر ومستويات زحام أقل بكثير، فالمشكلة الرئيسية هى أن من لديهم حسابات بنكية أغلبهم موظفين سواء بالقطاعين العام أو الخاص، والهدف من حساباتهم البنكية هو صرف الراتب بالدرجة الأولى قبل الادخار أو الإيداع فى البنك، وهذا يفسر الزحام الكبير الذى يعانى منه أهالينا فى الريف أو حتى المناطق الشعبية فى القاهرة مثل شبرا الخيمة على سبيل المثال.
نحتاج إلى مضاعفة أعداد ماكينات الصراف الآلى خلال الفترة المقبلة، حتى لا يتضرر المواطن من فكرة التعامل مع البنوك والصرف "الكاش"، ويرى أن الصراف التقليدى فى المصلحة الحكومية أو الهيئة والوزارة، أفضل بكثير من الخدمة البنكية، مادامت الأخيرة لا تحقق أى نوع من المزايا له، بل بالعكس تزيد من أعبائه وتجعله يقف فى طابور طويل على مدار اليوم، ليلجأ إلى حل جديد وهو أن يصرف مرتبه متأخرا يومين أو ثلاثة، حتى يضمن الالتحاق بطابور معقول، يمكنه من خلاله الانتظار لنصف ساعة فقط، ليصرف راتبه أو يجرى أى معاملة على حسابه البنكى.
ماكينات الصراف الآلى اختراع عظيم، يقلل من الأخطاء البشرية ويساهم بصورة أو بأخرى فى تدعيم سياسة الدولة نحو تحقيق الشمول المالى، وتخفف الضغط على البنوك ومكاتب البريد، إلا أن كل ما نحتاج إليه أن يتم توجيه جزء من أرباح البنوك للتوسع فى هذه الماكينات، حتى تكتمل المنظومة على الوجه الذى ينبغى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة