ربما لا يكون قرار الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى، أمرا يتعلق بالبريطانيين وحدهم، ولكنه يعكس تغيرات داخل التركيبة الاجتماعية والسياسية الأوروبية، تظهر هذه التغيرات فى حجم الصعود لليمين الرافض للهجرة والأجانب، وبالتالى فإن الجدل الدائر داخل بريطانيا، هو انعكاس يلخص الجدل المستمر من سنوات فى أوروبا وظهر فى نتائج الانتخابات فى فرنسا وألمانيا وهولندا وغيرها، بل وحتى فى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث اتجاهات ترامب لمنع الهجرة غير الشرعية تجد صدى داخل الولايات المتحدة، لدى قطاعات تعتقد أن الأجانب والهجرات تنتزع من حقوق الأغلبية الاقتصادية والسياسية.
وبالتالى فإن الصراع بين رئيس الوزراء بوريس جونسون والنواب داخل البرلمان فى أعقاب قرار تعليق عمل البرلمان البريطانى، هو عنوان لخلاف قائم داخل النخب السياسية البريطانية منذ ما قبل استفتاء يونيو 2016، وله صدى واضح داخل النخب الأوروبية عموما وتمثل فى صعود اليمين الأوروبى فى الانتخابات المختلفة.
فى فرنسا وألمانيا وغيرها من دول أوروبا كان اليمين المتطرف، والرافض للأجانب والهجرة يصعد داخل التركيبة السياسية والحزبية بشكل ظاهر، وتمثل هذا فى صعود مارى لوبان فى الانتخابات الفرنسية فى إبريل 2016، ووصولها للمنافسة فى الجولة الثانية أمام إيمانويل ماكرون، وهو ما دفع إلى اصطفاف الرئيس الفرنسى أولاند والأحزاب الخاسرة فى الجولة الأولى خلف ماكرون.
وفى ألمانيا تأسس حزب البديل اليمينى قبل 6 سنوات، ونافس المحافظين، بزعامة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والاشتراكيين الديمقراطيين.. وحقق 13% من أصوات الناخبين، بالرغم من أنه كان يخوض الانتخابات لأول مرة، وحزب البديل يرفض الاتحاد الأوروبى ويستخدم الهجرة عنوانا للانتخابات التشريعية، ويرى الإسلام ضد ألمانيا، ويدعو لإغلاق الحدود وتشديد قانون اللجوء.
وفى هولندا هناك حزب الشعب من أجل الحرية، بزعامة جيرت فيلدرز اليمينى الهولندى، والحزب له 24 مقعدا من 150 فى البرلمان الهولندى، وهو معروف بتوجهاته العنصرية المعادية للأجانب عمومًا، وللمسلمين على وجه الخصوص.
وبالتالى فإن الخروج البريطانى ربما لا يكون نهاية المطاف بالنسبة للاتحاد الأوروبى، فهناك دعاوى مختلفة لدى اليمين فى كل دول أوروبا، ترفض الهجرة، خاصة أن أعدادا من مواطنى دول غرب أوروبا الأكثر ثراء، يرون أنهم يخسرون من الوجود داخل الاتحاد الأوروبى، وأن دول شرق أوروبا السابقة تحصل على مكاسب أكبر، وعليه تعكس توجهات اليمين الأوروبى حالة من التمييز بين مواطنى أوروبا حسب الدول، وهو ما يبدو أحد عناصر الطعن فى فكرة الاتحاد نفسها.
وبالعودة إلى بريطانيا فإن رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون يقدم نفسه على أنه أكثر حسما تجاه تنفيذ نتائج الاستفتاء على بريكست، أكثر من تريزا ماى التى فشلت ثلاث مرات فى عقد اتفاق للخروج من الاتحاد الأوروبى، ويؤكد أنه فى حال عجز عن عقد اتفاق جديد، فهو لا يمانع من الخروج من دون أى اتفاقات، وهو الأمر الذى يثير مخاوف لدى قطاعات المال والصناعة والتجارة من مشكلات وأخطار اقتصادية.
بالطبع فإن نجاح بوريس جونسون فى تنفيذ الخروج من الاتحاد الأوروبى، مع ضمان عدم تضرر الاقتصاد من شأنه أن يشجع اليمين الأوروبى فى الدول المختلفة، ليبدأ فى الدفع نحو الخروج، فى ظل ظهور اتجاهات جديدة لإعاة تشكيل أوروبا وتكتلات العالم الاقتصادية والسياسية بصورة قد تختلف عما كان عليه الوضع منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، ثم ما بعد ظهور تيار العولمة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة