كتب الإخوانى حسام الشوربجى ظهر الجمعة الماضى، عبر حسابه على تويتر، أن كل التحركات الافتراضية أو حتى فى الشارع لا يمكن قياسها أو التعويل عليها إلا بعدما تسقط أول قطرة دم!
الجماعة تعرف أن الدم الذى أشعل غيظ المصريين تجاه عملياتها الإرهابية يُمكن أن يُشعل الشارع لصالحها، ومن غير المُستبعد أن تتحرك للقبض على تلك الورقة، وفى الحقيقة فقد سبق أن فعلت ذلك من قبل!
أخطر ما فى المشهد الراهن أن تنفذ عناصر الإخوان من وراء محاولات الزج بكل الأطراف فى مواجهة مفتوحة، لتُطلق رصاصها على الجميع، الشرطة والشعب، استكمالًا لمسار مفتوح من استهداف الأجهزة الأمنية، وسعيًا لإراقة دماء الأبرياء ودفع الشارع إلى حافة الاشتعال. تلك النقطة الخطيرة تقتضى اليقظة التامة من الجميع، وتُلقى بالمسؤولية على من يُغامرون بالنزول إلى ملعب الجماعة!
إشعال الفوضى بالدم.. بات واضحًا أن الإخوان تتعامل فى الظرف الراهن بمنطق حرب الوجود، وتسعى لتوظيف كل الأدوات والأوراق بغرض العودة إلى المشهد، أو تصدر واجهة الصورة من جديد بعد ستّ سنوات من الرفض الشعبى. تلك الغاية العليا لدى التنظيم يُمكن أن تكون سببًا فى إعادة إنتاج سياق قديم ومُمتد من عمليات القتل التى احترفتها الجماعة منذ أربعينيات القرن الماضى، وجدّدتها خلال ثورة 25 يناير، وما تزال تنفذها حتى الآن، وآخر محطاتها عملية معهد الأورام الإرهابية مطلع الشهر الماضى.
ليس من مصلحة أحد إنتاج سياق واسع من الهلع وإثارة الذعر، لكن المنطق يقتضى أن تكون النظرة شاملة ومحيطة بأطراف المشهد وتفاعلاته.
وإذا كانت الجماعة الإرهابية تخوض الآن حرب وجود بالنسبة لها، فإن المتوقع أن تُوظف كل الأدوات المتاحة فى تلك الحرب، خاصة أنها تتعامل كما لو كان لها ثأر مع الشعب الذى لفظها وخرج على حُكمها فى 30 يونيو، صحيح أنها اقتصّت من هذا الشعب عبر سلسلة طويلة من العمليات الإرهابية المندلعة منذ 2013، إلا أن الأمر يحتمل أن يكون هناك مزيد من الجرائم، وأن تُغذى الجماعة فُرن الفوضى الذى تنشط فى إشعاله بقدر قليل أو كثير من الدم المُراق ظلما، بينما تقف فى خلفية المشهد ساكنة ومتأهّبة للصعود على أكتاف الجميع.
تاريخ يمكن أن يتكرر.. فى أربعينيات القرن الماضى قتلت عناصر النظام الخاص أحمد ماهر باشا عضو حزب السعديين ورئيس الحكومة لفترتين، ثم القاضى أحمد الخازندار بعدما نظر قضية إرهابية لعناصر الجماعة، ورئيس الوزراء الأسبق محمود فهمى النقراشى، وطابورا من الضباط والمواطنين كانوا أهدافا مفتوحة فى عمليات تفجير وإحراق للمحلات ودور السينما وحى الموسكى وحارة اليهود، بل وصل الأمر إلى أن يكون الاقتتال داخليا بعدما استهدف قائد النظام الخاص عبد الرحمن السندى غريمه الإخوانى سيد فايز بعلبة حلوى مُفخّخة فى المولد النبوى، وهو التفجير الذى أودى بأرواح أسرة الأخير بينما كان خارج المنزل، وروى تفاصيله قادة ومؤرخون فى الجماعة، منهم أحمد رائف وأحمد عادل كمال وآخرون.
إذا قفزنا إلى مطلع العام 2011، فقد شهدت مقدمات ثورة يوليو تدفق عناصر من حركة حماس «الفرع الفلسطينى للإخوان» من قطاع غزة عبر الحدود الشرقية، تولوا فتح بعض السجون وتهريب مسجونيها، فى مقدمتها مجمع وادى النطرون الذى كان يضم عددا من قادة الإخوان، كما تسرب بعض تلك العناصر إلى ميدان التحرير، وتحدثت وثائق وتحقيقات وشهادات أمام المحاكم المصرية عن تورطهم فى عمليات قتل وقنص وسرقة سيارات وأسلحة فى محيط القاهرة.
بعدما تولت الجماعة الحكم فى منتصف 2012 أخذ الأمر بُعدا أكثر وضوحا وحدّة. تكررت وقائع القتل العلنى فى أكثر من مناسبة وموضوع، أبرزها محيط قصر الاتحادية فى ديسمبر من العام نفسه، التى قُتل فيها عدد من الشباب أبرزهم الصحفى الحسينى أو ضيف، ووقائع مكتب الإرشاد فى المقطم، المتكررة بين ديسمبر 2012 ومارس 2013، واعتداءات عناصر المكاتب الإدارية على القوى السياسية فى المحافظات، وهجمات مجموعات التنظيم ومُسلحين من اعتصام النهضة على ميدان التحرير فى يوليو وأغسطس 2013 فى وقائع أودت بحياة 5 على الأقل، كانت أشهرها محاولة اقتحام الميدان التى انتهت بمطاردة المعتصمين لفلول التنظيم فى شوارع حى «جاردن سيتى».
فى اعتصام رابعة العدوية تعرض كثير من الضباط والمواطنين للاختطاف والتعذيب، وبعدما وضعت الأجهزة الأمنية حدًّا لتجاوزات الإخوان المتمركزين فى مدينة نصر انطلقت موجة إرهابية طالت عشرات الكنائس والأقسام، كانت أكثرها بشاعة اقتحام قسم شرطة كرداسة وقتل ضباطه وجنوده، تلت ذلك عمليات نوعية استهدفت أكمنة وتمركزات أمنية وأفرادا من الأمن والعامة، بإطلاق الرصاص أو العبوات الناسفة والسيارات المفخخة، واستُشهد فى تلك العمليات مئات من الضباط والجنود والمواطنين العاديين، وكلها نفذتها عناصر اللجان النوعية وأعضاء حركتى حسم ولواء الثورة اللتان كانتا تتبعان محمد كمال عضو مكتب الإرشاد المقتول فى مواجهة مع الشرطة خلال أكتوبر 2016، لتنتقل قيادتهما لاحقا إلى يحيى موسى وأشرف عبد الغفار وبعض قادة التنظيم فى تركيا.
فى يونيو 2015 تولت مجموعة من اللجان النوعية تخطيط وتنفيذ عملية اغتيال المستشار هشام بركات، النائب العام الأسبق، عبر سيارة مفخخة جرى نقلها من محافظة الشرقية إلى محيط منزله فى القاهرة. تكرر استخدام السيارات المفخخة أمام مديريتى أمن القاهرة والدقهلية، وكانت أحدث حلقاتها سيارة نُقلت من المنوفية وانفجرت أمام معهد الأورام بينما كان الإرهابى عبد الرحمن خالد «ينتمى لأسرة إخوانية بالكامل» مُكلفا بنقلها إلى مكان ما لاستهداف أبرياء آخرين.
كل هذا المسلسل لا يُؤكد فقط استسهال الإخوان لإراقة الدم، وإنما يضع ضمن الاحتمالات أن تلجأ الجماعة إلى تلك الورقة لإشعال الشارع وتحقيق مكاسب على حساب الجميع، خاصة أنها ترى الدولة والمواطنين والمعارضين والمؤيدين خصوما، فالجميع كانوا شركاء فى إخراجها من السلطة وفضح جرائمها وتلاعبها بالدين ومحاولتها سرقة الدولة والثورة والتآمر على مقدرات مصر ومصالحها العليا.
احترسوا من بنادق الجماعة.. قبل يومين نجحت أجهزة الأمن فى القضاء على عنصر إخوانى كامن فى إحدى الشقق السكنية بمنطقة المطرية، وبحوزته كمية ضخمة من الأسلحة والذخائر.
بالتزامن كان أحد عناصر الإخوان من حركة حماس الفلسطينية فى بث مباشر عبر صفحته على «فيس بوك» من ميدان التحرير.
أمام الحالتين المشار إليهما يُمكن توقع أن هناك مزيدا من الحالات، خاصة مع تكرار وقائع ضبط خلايا إخوانية فى مناطق عدة بالقاهرة والجيزة، أشهرها وقائع 6 أكتوبر وصقر قريش وأرض اللواء وغيرها.
المجموعات التى نشطت فى تنفيذ جرائم إرهابية بدءا من 2013 حتى تفجير معهد الأورام قبل أسابيع، ما يزال كثير منها كامن فى مناطق عدة بالقاهرة والمحافظات، ولا تنقصهم الأسلحة والذخائر، كما لا يرون غضاضة فى استهداف الأبرياء وإراقة دمائهم، وهو أمر فعلوه ويفعلونه منذ ثورة 30 يونيو، فما المانع الآن أن تتكرر تلك الممارسات فى الشارع، ووسط مواطنين عاديين أو متظاهرين غاضبين، بغرض إراقة الدم وتوظيفه فى أن يكون وقودا للفوضى الشاملة؟!
بحسب مصادر وثيقة الصلة بالتيار الإسلامى «تحفظت على إعلان هوياتها»، فإن جماعة الإخوان وجهت عناصرها بتحفيز المحبين والمتعاطفين على النزول للشارع، بينما شددت على الأعضاء العاملين والهياكل التنظيمية والإدارية فى القاهرة والمحافظات بتجنب التظاهرات، مع البقاء على مقربة من الشارع طوال الوقت. المصادر تحدثت عن تكليفات للمجموعات المسلحة بالجاهزية والاستعداد، وهو أمر لا يُمكننا التثبت من حقيقته، لكنه يُثير ما يكفى من الشكوك للحيطة والحذر، سواء من جانب الأجهزة الأمنية، أو من جانب المواطنين العاديين فى الشوارع، طوال الوقت وليس حال حدوث تظاهرات فقط.
تاريخ الإخوان لا يخلو من الدم، والواقع أيضًا، وإذا كان حسام الشوربجى تحدث عن الدماء كوقود للحراك الذى تتطلع إليه الجماعة، فقد سبق أن أراقوا دماء زملاء فى التنظيم من أجل مصالح خاصة لدى بعض القادة، ومارسوا القتل وهم فى صفوف ثوار يناير أو فى السلطة، ونظريا يُمكنهم الآن تكرار التجربة وادعاء أنهم خارج المشهد ولم يُشاركوا فيه أو يحضروا على الأرض. سوابق الجماعة تفتح بابا لتوقع أن ينفذوا من تلك الثغرة، وأن يُطلقوا حملة اغتيالات لإشعال الشارع، لذا فإن على الجميع الحذر من بنادق الجماعة، وعليهم أن يتوقعوا الرصاصة من الظهر، حتى لا يمسح الإخوان أحذيتهم بدماء الأبرياء بعدما يقتلونهم بأياديهم!