أزمات كبرى يعانيها الاقتصاد التركى فى الآونة الأخيرة، بعدما فقدت أنقرة بحسب خبراء جميع مقومات جذب الاستثمارات الأجنبية فى حالة انهيار لم يشهدها الأتراك منذ سنوات، حيث تجاوز الدين الخارجى لتركيا خلال العام الجارى، وبحسب أرقام رسمية حاجز الـ 600 مليار دولار، بخلاف انسحاب استثمارات أجنبية تقدر بـ5.2 مليار دولارخلال إبريل الماضى، فضلاً عن خروج 4 آلاف مليونير من السوق التركية خلال العام الماضى.
الانهيارات التى يعانيها الاقتصاد التركى طالت بطبيعة الحال الدول ورجال الأعمال المتعاملين معها مؤخراً، فالمستثمرين الكويتيين على سبيل المثال خسروا فى قطاع العقارات التركى أكثر من 12 مليار دينار، ما أدى بطبيعة الحال إلى ظهور قضايا اقتصادية حركها كويتيين ضد أتراك.
وبحسب خبراء، تراجعت كافة عوامل جذب الاستثمارات فى تركيا، وأصبحت أنقرة اليوم بلا أمان استثماري نظراً لما تعيشه البلاد من انهيار اقتصادي وعجز بالموازنة وتراكم بالديون وزيادة فى حجم معدل البطالة.
وقبل أيام، استضاف منتدى دور الإعلام فى التوعية بمخاطر الاستثمار الخارجى "تركيا نموذجاً"، والذى نظمته هيئة الصحفيين السعوديين مؤخرا بالرياض، ليستعرض عدد من الأرقام السلبية التى آل إليها الاقتصاد التركى. وتناول المنتدى ما كشفته بيانات حديثة أعلنتها وزارة التجارة التركية، عن إغلاق أكثر من 15 ألف شركة محلية وأجنبية فى تركيا خلال عام 2018.
وقبل أيام، كان اتحاد الغرف التجارية والبورصات التركى قد أشار إلى ارتفاع معدل إغلاق الشركات فى البلاد، خلال مايو الماضى، بنسبة 20.94%، مقارنة بشهر أبريل الماضى.
وأوضح اتحاد الغرف والبورصات التركية أنه تم إغلاق 878 شركة، وانخفض عدد الجمعيات التعاونية بنسبة 36%، وعدد الشركات التجارية التابعة لأشخاص بنسبة 5.85%، وعدد الشركات المؤسسة بنسبة 0.34%.
فيما تراجع مؤشر الثقة بالاقتصاد التركي بنسبة 11% على أساس سنوي، خلال يونيو الماضي، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، متأثراً في ذلك بهبوط عديد من القطاعات الاقتصادية بسبب أزمة الليرة.
وحذّر المشاركون فى المنتدى من أن الحملات الترويجية الكاذبة كانت سبباً في استقطاب وذهاب السعوديين للاستثمار في تركيا بعد إيهامهم أن البيئة الاستثمارية آمنة قبل أن تنكشف حملات الترويج الكاذب وممارسات الحكومة التركية للأكاذيب والتناقض السياسي، وأكد رئيس تحرير صحيفة الاتحاد الإماراتية حمد الكعبي أن السياسات التركية الحالية أثرت على الأوضاع الاقتصادية، وهو ما جعل تركيا تعيش الآن مرحلة ركود اقتصادي بدأت منذ صيف 2018م، عوضاً عن فقدها ثقة الأسواق لسياساتها الاقتصادية.
وأوضح أن تركيا أصبحت منفرة للاستثمار الأجنبى والخليجى بشكل خاص تبعاً للسياسات الخاطئة فى الجانب السياسى فى تركيا.
وأشار إلى أنّ العرب يشكلون 80 % من إجمالى المستثمرين الأجانب فى سوق العقار التركى، وكما يعرف أن العقار يحتاج لفترة زمنية طويلة ليجنى أرباحه لذلك فهو يتطلب بيئة مستقرة سياسياً وهو مالا يتوفر فى تركيا وبحسب إحصاءات هيئة الإحصاء التركية بلغ مؤشر الثقة فى الاقتصاد التركى 80.7 أى أقل من 100 نقطة ويعنى ذلك تشاؤم المستهلكين تجاه الاقتصاد فالاستثمار يحتاج دوماً بيئة مستقرة آمنة.
وأكد الكعبى أنّ هنالك شكاوى أفصح عنها المستثمرون كالتعرض للنصب والاحتيال بالتوقيع على عقود وهمية أو غير واضحة، وعدم استلامهم عقاراتهم رغم وجود مستندات رسمية فى ظل غياب القوانين الرادعة، نتيجة التعامل مع مكاتب عقارية وهمية.
وشدد رئيس هيئة الصحفيين السعوديين خالد المالك، على أهمية دور الإعلام فى توعية المستثمرين فى الخارج، مشيرًا إلى أن الاستثمار العربى الخليجى العربى فى عدد من الدول يحتاج المزيد من التوعية خصوصاً بالوقت الراهن، وقال: إن كثيراً من السعوديين يستثمرون في تركيا ويغيب عنهم الوضع السياسي والأمني والاستثماري، وقد خسر الكثيرون بسبب وجود إغراءات كثير تستدعيهم إلى الاستثمار مما جعلهم يفقدون الكثير مما كانوا يتطلعون إليه من نتائج مالية محفزة.
ونبه رئيس مجلس الغرف السعودية د. سامى العبيدى من أنّ الاستثمار فى الخارج يأتى بعد دراية كاملة عن الدولة وعن قوانينها والأنظمة الواضحة فى حقوق المستثمر، وهذا ما لا تملكه تركيا حيث تفقد المقومات التى تستقطب المستثمر مثل استقلال القضاء واستقرار الاقتصاد وهو ما يعطي مؤشراً سلبياً للاستثمار فيها، مبيّناً أنّ المستثمرين السعودين الخاسرين في تركيا هم من فئة الأفراد لعدم وعيهم الكامل بالأنظمة.
وبيّن الإعلامى الكويتى والمحلل والكاتب السياسي محمد الملا أنّ هناك مخاطر عدة تواجه رؤوس الأموال بتركيا، حيث سيتجاوز الدين الخارجي لتركيا في نهاية عام 2019م الـ 600 مليار دولار، مستنكراً: "أتعجب من الشركات والمستثمرين الخليجيين الذين يعتبرون تركيا مكاناً آمناً للاستثمار الخارجي وهو على العكس تماماً بل خطر على الاستثمار والأموال حيث قدرت خسائر الكويتيين فى العقار التركى بما يتجاوز الـ 12 مليار دينار كويتي لتعرضهم لعمليات نصب واحتيال ومازالوا يتقاضون فيها بالمحاكم".
فيما طالب رئيس لجنة المكاتب الاستشارية بغرفة الرياض م.خالد العثمان بموقف خليجى لتجنب هذه المخاطر الاستثمارية؛ لأن الاستقرار السياسي في تركيا لم يعد موجوداً، وبسببه أصبح الاستثمار خطراً فى ظل عدم الاستقرار، لكونها تحولت من دولة ديموقراطية إلى استبدادية.
وكشف مستشار الاستثمار الدولى وخبير التنمية الاقتصادية الدكتور يسرى الشرقاوى فى جلسته الاقتصادية أنّ الاستثمارات السعودية والعربية كانت واحدة من أكبر الاستثمارات الأجنبية فى تركيا، حيث بلغ شراء الخليجين فيه 25% فى نوفمبر 2017م.
وحذر الشرقاوى من وجود تحديات وظروف سياسية صعبة تواجهها تركيا، مضيفاً: "علماً بأن هذه المشاكل ستؤثّر وتخلق أزمات من الركود والكساد في الأسواق الناشئة بالإضافة إلى ضعف التخطيط والذي أظهره الخلاف بين رئيس الدولة التركية ومحافظ البنك المركزى وهو ما أدى إلى عزل المحافظ ليزيد بذلك التخبط والخطورة المستمرة والمتزايدة على الاستثمار الأجنبى فى أراضيهم".
وشددت مستشارة التنمية الاقتصادية والحكومة المؤسسية الدكتورة نوف الغامدى على ضرورة زيادة الوعي التجاري لدى المستثمر واختيار البيئة الاستثمارية المناسبة كون تركيا اليوم ليست البيئة المناسبة، ولم يعد الوضع الاقتصادى التركى مجدياً للمستثمرين الأجانب والسعوديين على وجه الخصوص فى ظل التوتر الأمنى والنهج السياسى الذى يتبعه أردوغان وحكومته والتدخلات المباشرة فى الاقتصاد التركى والسياسة النقدية مما أدى إلى فقدان ثقة المستثمرين.