ينزعج كثيرون من هاشتاج صار تريند على تويتر، أو تويتة ساخنة حازت على نصيب الأسد من الريتويت، أو بوست انتشر بكثافة على «فيس بوك»، وحصل على أعلى اللايكات، أو فيديوهات مفبركة، وهو انزعاج غير مبرر، وتأثيراته وبصماته لا تظهر إلا فى الخيال، وتبتعد كل البعد عن أرض الواقع!!
وهناك فارق شاسع بين الخيال وبين الواقع على الأرض، ونؤكد أن السوشيال ميديا، لم تؤثر سلبا أو إيجابا على أى استحقاق، بما فيها الاستحقاقات الانتخابية، منذ استفتاء الإعلان الدستورى 19 مارس 2011 وحتى الانتخابات الرئاسية 2018، علاوة على أن معادلة قوة الناشطين وتأثيرهم على مواقع التواصل الاجتماعى، «العالم الافتراضى» قد اختل ميزانها، ولم يعد هناك قوى تقليدية، من أعضاء اتحاد ملاك يناير 2011 أو جماعة الإخوان، مسيطرة، وإنما هناك ظهير للدولة سيطر رغم أنه يغرد بشكل منفرد، بعيدا عن التجييش أو ما يطلق عليه اللجان الإلكترونية!!
ونظرا للعزف المنفرد من معظم رواد مواقع التواصل الاجتماعى، فإن البعض ينزعج من فكرة صعود «تريند» ساخن، اعتقادا أن هذا التريند له صلة بالواقع، ودون أن يدرى أن من السهولة بمكان أن تصنع عشرات الهاشتاجات يوميا، وتصعد تريندات، بسهولة ويسر وبعدد لا يتجاوز مئات من مشاركات الحسابات سواء داخل أو خارج مصر!!
الأخطر، أن الجماعات والتنظيمات الإرهابية، والحركات الفوضوية، بجانب كيانات خارجية معادية، تدير بشكل مقنن عمليات الهاشتاجات والتريندات، بما يخدم أهدافها ومصالحها الشخصية، من خلال امتلاك مئات الحسابات الوهمية، أو ما يطلق عليها «الذباب الإلكترونى» لدعم هاشتاج ساذج هنا، أو دعوة مثيرة للفوضى هناك!!
وللأسف الشديد، ينساق البعض كالقطيع وراء الهاشتاجات والتويتات والبوستات، ويفتحون أذرعهم، لمناقشتها والترويج لها، دون إدراك من هؤلاء أن مواقع التواصل الاجتماعى خطر حقيقى عليهم بالدرجة الأولى، ومدمر لأمنهم واستقراهم، وبمجرد أن تمسك الموبايل أو الآيباد وتدخل لتصفح السوشيال ميديا تأخذك النداهة إلى العالم الوهمى، ويبدأ القلق والاكتئاب يتسلل إليك، خوفا من تريند ساخن، أو هاشتاج أكثر سخونة، وتستشعر أن الكون سينفجر وتقوم القيامة بعد لحظات وبمجرد أن تترك الموبايل، وتخرج من بيتك أو مكان عملك وتسير فى الشوارع وتذهب للأسواق، تجد الأمر مغايرا، وأن الحياة طبيعية للغاية.
وتأسيسا على ذلك، فإن السوشيال ميديا، عالم وهمى، بعيد كل البعد عن الواقع على الأرض، وأن الهاشتاج والتريند صنيعة أعداء الأمة من كل حدب وصوب، ولجان وهمية لا وجود لها، ومؤخرا، رأينا بأم أعيننا تريندات تخطت المليون، وبالبحث وجدنا أن معظمها حسابات وهمية، والآلاف منها فى الجزائر وقطر والكويت والمغرب وعُمان والهند، وغيرها من الدول، وأن هؤلاء خلقوا جوا ملغما فى مصر بعيدا عن الواقع.
وإذا ألقيت بنظرك إلى خارج الحدود لتتعرف على طريقة التعامل مع السوشيال ميديا، فى الدول المختلفة، وتحديدا الدول المعادية لمصر، مثل إسرائيل وتركيا وقطر وأمريكا، فستجد الحسم والقوة، ففى إسرائيل كتابة أى شىء يتعلق بالجيش الإسرائيلى على سبيل المثال على الصفحات الخاصة على الفيس بوك أو تويتر يتطلب الحصول على تصريح وإذن مسبق، وهو ما أعلنته وزارة الأمن الداخلى الإسرائيلى صراحة، بل أكدت أن أجهزة الأمن تتابع كل شبكات التواصل الاجتماعى، بل وتجمع معلومات شخصية عن النشطاء عن طريق صفحاتهم الخاصة بكل منهم على الفيس بوك، وتزرع رجال شرطة سريين داخل خيام الاعتصامات حال إقامتها، هذه طريقة إسرائيل الدولة الديمقراطية المهمة فى المنطقة، وكيف تحافظ على أمنها واستقرارها، بقوة القانون دون رعب وخوف.
أما فى تركيا، فحدث ولا حرج، فيكفى أن أردوغان ورفاقه اتخذوا قرارات بحظر مواقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» و«تويتر» فترات طويلة، وخرج الرئيس التركى رجب طيب أردوغان من قبل بتصريح يلخص المسألة برمتها، نصه: «الحرب على الإرهاب أهم من الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة».
أما ما يحدث فى قطر، فلا يستطيع مواطن أن ينبس بشطر من كلمة «اعتراض» أو «نقد»، فمصيره إسقاط الجنسية وطرده من البلاد فورا، أو الاختفاء القسرى فى ظروف غامضة.
وفى مصر، نحن نشاهد منذ 25 يناير 2011 ومرورا بثورة 30 يونيو 2013، كماً كبيرا من صفحات اللجان التابعة للجماعات والتنظيمات الإرهابية والحركات الفوضوية المحرضة على قتل وتنفيذ العمليات الإرهابية، ضد جنود وضباط الجيش والشرطة، وتدعو للفوضى والخراب والدمار، وتغتال سمعة شرفاء الوطن، وتشوه صورة كل من يدعم بلاده ومؤسساته، والحكومة تحتفظ بالقوانين والتشريعات فى أدراج مكاتبها، دون تفعيل!!
يا سادة، مصر دولة كبيرة، متجذرة فى عمق التاريخ، لم ينل منها معتد مهما كانت قوته، لا غارات البدو الآسيويين ولا الفرس أو الرومان ولا الصليبيين أو التتار ولا العثمانيين أو الفرنسيين والإنجليز والإسرائيليين، ولم ينل منها صواعق وأعاصير ثورات التقسيم والتدمير، وأحبطت مخططات، وتصدت لمؤامرات، ولم ينل منها غضب الطبيعة من زلازل وأعاصير وبراكين، فهل بعد كل ذلك ينال منها هاشتاج؟!
وأقول لأصحاب الهاشتاجات، كبيركم هاشتاج تدشنونه فى العالم الافتراضى، لتستمتعوا بقوتكم المنهارة، وتعوضوا تأثيركم المفقود، فى حين أن المصريين يستمتعون وهم يرون عجزكم، ولجوئكم للعيش فى الوهم والخيال، وخوض المعارك بهاشتاج!!
ولك الله.. ثم شعب واع وصبور وجيش قوى يا مصر...!!
ملحوظة..
هذا المقال كتبته ومنشور فى «اليوم السابع»، النسخة الورقية والموقع الإلكترونى، يوم الأحد، 24 يونيو 2018.. واليوم قررت إعادة نشره، لتشابه نفس الظروف، وكأنى أقرأ المستقبل، مع بعض التعديلات الطفيفة الموائمة للأحداث!!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة