هى قصة الأمس واليوم، حكاية خلايا تجسس تشبه الخلايا السرطانية تقوم تركيا بزرعها للتجسس على معارضيها، حيلة لجأ إليها النظام منذ سنوات بعيدة، ولا يزال.
القصة بدأت فى اكتوبر 2014، كشف عمر ألتى بارماك، الرئيس الأسبق لشعبة استخبارات الأمن فى تركيا، الذى تم اعتقاله فى العام نفسه بتهمة التنصت غير القانونى، عن تعليمات أصدرها النظام التركى لرجال الأمن للقيام بعمليات ضد منظمة اتحاد المجتمعات الكردية، والتى تعتبر البنية المدنية لحزب العمال الكردستانى.
فضية تجسس النظام التركى على العمال الكردستانى الذى تحظر نشاطاته وتصنفه بالإرهابى، كانت بذرة لعمليات تجسس كبرى على أراضى دول أوروبية، كانت أبرزها فضيحة التجسس تحت العبائة، كان أبطالها رجال دين جرت تفاصيلها على الأراضى النمساوية فى فبراير عام 2017، عندما أثبتت سلطات النمسا تجسسهم على هيئات ومؤسسات تابعة للمعارض التركى فتح الله جولن
وبعد دعم رموز الإرهاب وتمويل مليشيات العنف والدمار داخل دول الجوار، لجأ النظام التركى إلى حيلة جديدة وهى زرع جواسيس متسترين خلف عباءة الدين داخل الدول الأوروبية لاستهداف المعارضة التركية فى البلدان التى يقيمون فيها، ولتقديم تقارير دورية للسلطات التركية عبر سفاراتها بالخارج عن نشاطات مؤسسات وأنصار المعارض اللدود الداعية "فتح الله جولن"، وهو ما تسبب فى إحراج دولى لأنقرة، وقد يتسبب أيضا فى تشديد التوتر القائم بين تركيا وأوروبا، وعرقلة مفاوضات أنقرة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبى.
فضيحة تجنيد الأئمة للتخابر داخل النمسا، كشفها نائب حزب الخضر النمساوى بيتر بيلز الذى وجه اتهامات صريحة لتركيا بتجنيد 200 جاسوس داخل بلاده تحت ستار الدين. وطالب النائب النمساوى وقتها سلطات بلاده بالتحقيق فى الواقعة، الأمر الذى دفع حسين مفتى أوغلو، الناطق باسم الخارجية التركية إلى النفى، والتأكيد فى تصريحات له الأسبوع الماضى على أن تلك التهم لا أساس لها وتضر بالعلاقات بين البلدين.
وبدأت حالة التوتر بين البلدين عندما كشفت النمسا فى سبتمبر 2017 صورة وثيقة صادرة عن الهيئة الدينية التركية، موجهة إلى الروابط والجمعيات الدينية التركية فى الخارج ـ ومن بينها النمسا ـ تطالب منها إعداد تقارير تفصيلية عن منظمات المجتمع المدنى والمؤسسات التعليمية والروابط القريبة من رجل الدين فتح الله جولن، ما يعنى أن النظام التركى بعد محاولات الإطاحة به العام الماضى، فى إطار حملة تطهير البلاد من المعارضة والقمع الممنهج، جنّد المؤسسة الدينية أيضًا لمراقبة المعارضة بالخارج.
وواصلت العلاقات التركية - النمساوية مسارها الصدامى، وتفاقم التوتر ببين الجانبين إلى درجة دفعت صحف النمسا إلى وصف رجال الدين الأتراك المقيمين على أراضيها، والبالغ عددهم 100 شخص بـ"الجواسيس".
النمسا لم تكن الأولى، فألمانيا هى الأخرى كشفت تجسس 6 أئمة تابعين لهيئة الشئون الدينية التركية على المعارضة التركية، وفى عام 2017، داهمت السلطات الألمانية منازل الأئمة الست بينهم 4 أئمة مساجد داخل ألمانيا على خليفة اتهامات بالتجسس على أنصار جولن لصالح الحكومة التركية، وتمت مصادرة وسائط تخزين بيانات ووسائل اتصال ووثائق من منازلهم، قبل أن تقدم أنقرة على استدعاء الأئمة فى محاولة للتستر على الفضيحة.
وكعادتها، حاولت تركيا فى ذلك الوقت التستر على القضية، ونفى مدير الهيئة الدينية التركية محمد جورماز أمس، تهم التجسس مكتفياً بالقول بأن الهيئة تتعرض لـ"حملة تشويه" على حد قوله، إلا أن وسائل إعلام ألمانية نقلت عن جورماز اعترافه بأن "هؤلاء الأئمة نقلوا لتركيا معلومات عن أشخاص يشتبه فى موالاتهم لحركة الداعية الإسلامى التركى فتح الله جولن فى ألمانيا"، وتابع: "كل من نقلوا فى خطاباتهم معلومات عن هؤلاء الأفراد تمت إعادتهم فوراً إلى مراكزهم الأصلية كإشارة على حسن النية"، مؤكداً أن ما تم لا يندرج تحت بند "أنشطة التجسس"، ورغم تنصل النظام فان فضيحة التجسس لاتزال حتى اليوم تطاله فى العديد من البلدان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة