التفتيش قانونا، يُعد إجراء لا يخلوا من الخطر إذ فوق كونه إجراء يعتبره البعض هاتك للأسرار فيما يعتبره البعض الأخر إجراء منتج للدليل قد تتوقف عليه إدانة المتهم.
ولقد نظم قانون الإجراءات الجنائية أحكام تفتيش الأشخاص فى المواد 46 و94 و206 ويتبين من هذا التنظيم أن التفتيش يرد على أشياء مادية بغية ضبطها كأجهزة الحاسب الآلى ذاتها كمبيوتر أو هاتف جوال أو مكوناته وتتضمن وحدات الإدخال والإخراج والذاكرة والحساب والمنطق والتحكم والتخزين.
وفى التقرير التالى "اليوم السابع" يلقى الضوء على إشكالية التفتيش الإلكترونى فى القانون 175 لسنة 2018 بشأن جرائم تقنية المعلومات، ومدى قانونية هذا الإجراء من عدمه من الناحية القانونية، وكيف تصدت محكمة النقض المصرية لمسألة التفتيش الإلكترونى سواء كان هاتف جوال أو جهاز كمبيوتر وغيرها من الأدوات والأجهزة؟، وهل المقصود بالتفتيش الإلكترونى هنا موجزة فى ضبط أجهزة مادية فقط، وإنما تعمق وتقص وفحص البيانات والمعلومات داخل هذه الأجهزة؟ - بحسب أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض ياسر فاروق الأمير.
الأصل أن الأشياء المعنوية لا تصلح محل للتفتيش
فى البداية- يجب أن نعلم أن الأشياء المعنوية، كالتنصت على المحادثات وتسجيلها سواء هاتفية أو شخصية أو تجرى عبر شبكة الإنترنت "ماسنجر - وات ساب - أو بوتن"، فلا تصلح محل للتفتيش، وإنما قد تكون موضوع مراقبة طبقا للمواد 95 و206 إجراءات جنائية، وأيضاَ البرمجيات والبيانات والمعلومات الإليكترونية والشبكة وما تتضمنه من مكونات سواء تم النفاذ والدخول إليها عن طريق فحص الحاسب الآلى نفسه أو وعن بعد من خلال التقنيات الحديثة.
فكل هذه تعتبر أشياء معنوية غير ملموسة ولا محسوسة، وكان الأصل أنها لا تصلح محلا للتفتيش بل الدخول والنفاذ غير أن قانون جرائم تقنية المعلومات إثر إطلاق مصطلح التفتيش والدخول والنفاذ عليها، وهذا هو المقصود بالتفتيش الاليكتروني، ومن ثم فإن مصطلح التفتيش الإلكترونى يشمل فحص أجهزة الحاسب الآلى بالنفاذ والدخول إلى ما بها من بيانات ومعلومات وبرامج من خلال الجهاز ذاته أو عن بعد بتتبعها.
التفتيش الإلكترونى يعنى تعمق وفحص البيانات
فالتفتيش الإلكترونى بعبارة موجزة ليس ضبط أجهزة مادية، وإنما تعمق وتقص وفحص البيانات والمعلومات داخل هذه الأجهزة سواء من خلال الجهاز ذاته أو عن بعد بتتبعها وملاحظتها، وكان قد أثير جدل حول مشروعية التفتيش الاليكترونى فى المرحلة السابقة على صدور القانون رقم 175 لسنة 2018، وذلك نظرا لعدم وجود نص يجيز هذا التفتيش أو بالأحرى ما نقترح تسميته "تتبع وفحص" – الكلام لـ"الأمير".
فذهب رأى إلى الحظر إذ القاعدة أنه لا إجراء جنائى ماس بالحقوق والحريات إلا بنص وفقا لمبدأ المشروعية الإجرائية، وذهب رأى تبناه القضاء إلى إجازة هذا التفتيش الإلكترونى قياسا على تفتيش الأشخاص، لأن برامج المعلومات والبيانات ولأن كان لها حرمة فإن حرمتها مستمدة من حرمة الشخص فإن جاز تفتيشه جاز تفتيشها ومن ثم فإنه يجوز لرجل الضبط القضائى عند التلبس أو صدور إذن من النيابة العامة إجراء هذا التفتيش طبقا لحكم محكمة جنح مستأنف اقتصادية القاهر فى 3/11/2010 الدعوى رقم 987 لسنة 2010.
رأى محكمة النقض فى التفتيش
هذا الأمر هو ما أخذت به محكمة النقض حين اكتفت بأذن النيابة العامة لصحة التفتيش الإلكترونى طبقا للنقض المقيد برقم 29553 لسنة 86 ق – 27/4/2017 إلا أن هناك نظر على هذا الرأى الأخير، لأن هذه البيانات والمعلومات كالرسائل الاليكترونية تتعلق بها حقوق الغير مما يوجب إحاطتها بضمانة إضافية فلا يكفى إذن النيابة العامة، وإنما يلزم الحصول مقدما على أمر مسبب من القاضى الجزئى طبقا للمادة 206 إجراءات.
فيس بوك فيه سم قاتل
ولقد حسم المشرع فى قانون تقنية الجرائم المعلوماتية رقم 175 لسنة 2018 المسألة، فأجاز لجهة التحقيق المختصة بحسب الأحوال فى المادة السادسة منه أن تصدر أمراً مسبباً، لمأمورى الضبط القضائي المختصين، لمدة لا تزيد على 30 يوماً قابلة للتجديد لمرة واحدة، متى كان لذلك فائدة فى ظهور الحقيقة على ارتكاب جريمة معاقب عليها بمقتضى أحكام هذا القانون بالبحث والتفتيش والدخول والنفاذ إلى برامج الحاسب وقواعد البيانات وغيرها من الأجهزة والنظم المعلوماتية تحقيقا لغرض الضبط – وفقا لـ"الأمير".
جواز إصدار أمر مسبب بتفتيش برامج الحاسب الآلى
ومفاد هذا النص أنه يجوز لجهة التحقيق أن تصدر أمر مسبب بتفتيش برامج الحاسب الآلى وقواعد البيانات والنظم المعلوماتية والأجهزة أو بالآحرى كل جهاز أو معدة تقنية تكون قادرة على التخزين، أو أداء عمليات منطقية، أو حسابية، وتستخدم لتسجيل بيانات أو معلومات، أو تخزينها، أو تحويلها، أو تخليقها، أو استرجاعها، أو ترتيبها، أو معالجتها، أو تطويرها، أو تبادلها، أو تحليلها، أو للاتصالات.
وكذا يجوز لجهة التحقيق أن تآمر بالولوج والنفاذ إلي البرامج المعلوماتية أو بالأحرى كل ما يمكن إنشاؤه أو تخزينه، أو معالجته، أو تخليقه، أو نقله، أو مشاركته، أو نسخه بواسطة تقنية المعلومات كالأرقام والأكواد والشفارات والحروف والرموز والإشارات والصور والأصوات وما فى حكمها، وكذا الدخول إلي النظم المعلوماتية وهي مجموعة برامج وأدوات معدة لغرض إدارة ومعالج البيانات والمعلومات، أو تقديم خدمة معلوماتية.
هدف كشف الحقيقة
ويشترط لصحة الأمر هنا أن يكون بغرض ضبط كل ما يفيد فى كشف الحقيقة فى شأن أحد الجرائم الواردة حصريا في القانون رقم 175 لسنة 2018 فإن كانت جريمة منصوص عليها في أي قانون أخر امتنع تطبيق نص المادة السادسة علي أن يكون أمر التفتيش والدخول والنفاذ مسببا وألا يجاوز 30 يوما قابلة للتجديد لمدة واحدة أي لا تزيد المدة في جميع الأحوال عن 60 يوما.
الجهة المنوط بها التحقيق
وهناك تساؤل عن تحديد المقصود بجهة التحقيق المختصة التي تملك الأمر بالتفتيش الإليكتروني؟ فمن المعلوم أن التحقيق قد يتولاه قاض تحقيق ابتدائي أو استئناف ولا شك في ثبوت السلطة له بالتفتيش الإلكتروني دون استئذان أى جهة أخرى، ولكن يدق الآمر حين تنهض النيابة العامة بالتحقيق وهو الغالب إذ من المعلوم أن المشرع طبقا للمادتين 199 و 206 قيدت سلطات النيابة العامة في مراقبة المحادثات وضبط الرسائل والخطابات في مكاتب البرق والبريد بلزوم استئذان القاضي الجزئي لتعلق الإجراء بحقوق غير المتهم.
فهل تلتزم النيابة العامة عند التفتيش الإلكترونى بهذا القيد؟ فقد ذهبت محكمة النقض ضمننا إلى عدم لزوم القيد لأن الضبط عند التفتيش الإلكتروني لا يتم فى مكتب البريد أو البرق أو مصلحة التلغراف، وهو ما نراه محل نظر إذ ليس لهذه المكاتب أو المصالح حرمه في ذاتها وإنما الحرمة راجعه إلي ما بها من رسائل وخطابات تتعلق بها حقوق غير المتهم فكانت علة قيد إذن القاضي الجزئي ما تحتويه الرسائل والخطابات والتلغرافات من أسرار غير المتهم وليس مكان وجودها والنصوص تدور مع علتها وجودا وعدما.
دور القاضى الجزئى فى التفتيش
وما نراه – بحسب "الأمير" - أن النيابة العامة لا تملك تفتيش أجهزة الحاسب الآلى والبرامج المعلوماتية والتقنية أو النفاذ أو الدخول إليها إلا بعد حصولها مقدما علي إذن القاضي الجزئى إذ استخدمت المادة السادسة من قانون جرائم تقنية المعلومات عبارة لسلطة التحقيق المختصة أن تأذن، ومن المعلوم أن النيابة العامة تتولى التحقيق طبقا لأحكام قاض التحقيق مع مراعاة استئذان القاضى الجزئى إذ مس إجراء التحقيق حقوق غير المتهم ولاشك أن الرسائل الواردة والصادرة من جهاز الحاسب الآلى الخاص بالمتهم وكذا برامج المعلومات وأنظمة المعلومات تتعلق بهم حقوق الغير فوجب استئذان القاضى الجزئى.
ولا يصح لرجل الضبط القضائى أن يجرى التفتيش الإلكترونى من تلقاء نفسه عند التلبس بالجريمة، لأنه إذا كان هذا التفتيش محظور على النيابة العامة، فإنه من باب أولى يحظر على رجل الضبط القضائى، كما أن تفتيش الحاسب الآلى وبرنامج وأنظمة المعلومات قد يتضمن الإطلاع على ما هو صادر ووارد من بيانات ومعلومات من ضمنها الرسائل وهو أمر قصره قانون الإجراءات الجنائية فى المادة 97 علي قاض التحقيق وأجاز له عند الضرورة تكليف احد أعضاء النيابة العامة بذلك ولم يخوله ندب احد رجال الضبط القضائي.
دور قانون الإجراءات الجنائية فى التفتيش
أضف إلى ذلك أن قانون الإجراءات الجنائية خول لمأمورى الضبط القضائى فى أحوال التلبس فقط سلطتى القبض والتفتيش وهى سلطات استثنائية لا يجوز التوسع فيها أو القياس عليها، لأن ما ثبت على خلاف الأصل من مساس بالحريات لا يقاس عليه، ومقتضى ذلك أنه لا يجوز لرجل الضبط القضائى فى أحوال التلبس تفتيش الهاتف الخاص للمتهم وإنما يحق له فحسب ضبطه وتحريزه، وهو ما يستفاد ضمنا لحكم من محكمة النقض ذهبت فيه إلى أنه لما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت على الطاعن الثاني أنه اعترف أمام النيابة بالصور والفيديو المستخرجة من هاتفه، فلا يجديه أن يكون فحص الضابط للهاتف قد وقع باطلاً، لتحقق القرينة المستخرجة من الهاتف باعترافه، لما هو مقرر من أن بطلان التفتيش بفرض وقوعه، لا يحول دون أخذ القاضي بجميع عناصر الإثبات الأخرى المستقلة عنه والمؤدية إلى النتيجة التي أسفر عنها التفتيش.
ومن هذه العناصر الاعتراف اللاحق للطاعن المذكور بالمستخرجات من هاتفه، كما لا يمنع المحكمة من الاعتماد على أقوال رجل الضبط فيما باشره من إجراءات ونما إليه من معلومات فيما لا يتصل بفحص الهاتف المدعى ببطلانه طبقا للطعن المقيد برقم 15854 لسنة 84 جلسة 2015/02/23- فهذا الحكم أشار ضمنا إلي بطلان تفتيش الضابط لهاتف المتهم وهذه صحيح لأنه حسبما أشرنا حالا أن تفتيش جهاز الحاسب الآلي والهاتف فيه اعتداء علي حق المتهم في السر والمساس بحقوق وخصوصيات الغير المسجلة علي هاتف المتهم فوجب الحصول علي اذن قضائي مسبب بهذا التفتيش ولو ضبطت الجريمة في حاله تلبس.
السوشيال ميديا خطر داهم