المصريون بتنوعهم واختلافاتهم يعرفون بلدهم، ولدى كل منهم رأى ومجال وأحلام، ووعندما يأتى الأمر عند الدولة أو البلد هذا الكيان الغامض، فإنهم ينتفضون فى مواجهة أى محاولة لهز كيان الدولة، وربما لهذا لا يفهم بعض النشطاء هذه الفكرة ومدى ارتباط المصريين بالبلد، والدولة هنا ليست فقط بالمفهوم القانونى والحقوقى«شعب وإقليم وسلطة سياسية»، لكنها مجموعة من العناصر تتداخل فيها العوامل المادية بالعواطف، لهذا يبدى بعض خصوم فكرة الدولة من مواطن أو مواطنة يشيرون إلى أن الشعور بالأمن لديهم يفوق الأكل والشرب، ويرون أن هذا الكلام يطلقه من لا يشعرون بالجوع.
كان الفيديو الذى عرضته المخرجة ساندرا نشأت، على بساطته، معبرا عن آراء المصريين كما هم، على طبيعتهم وبشكل عفوى، يتعالى عليها بعض «عمقاء» الادعاء بالفهم، ويكتفى بعضهم بإبداء الاشمئناط من قول سيدة إن الأمن بالنسبة لها أهم من الأكل والشرب، وهذه السيدة فى أتوبيس عام أو فى الشارع لا يبدو أنها من الأثرياء، ولا من «الدولجية» وهو الوصف الذى يتصور بعض المتعالين أنهم يسخرون ممن يرددوه، بينما يمكن استعادة مشاعر الخوف وقت انفلات أمنى عشوائى، أو فقدان الشعور بالأفق وسيادة إحساس الضياع لدى قطاعات من المصريين وقت حكم التنظيم الفاشل، وهو التنظيم الذى ارتمى فى أحضان تركيا، ويبدو أردوغان بالنسبة لهم زعيما وخليفة، يقدمون له كل فروض الولاء، ويطالبون المصريين بأن يتبعهم، فإذا بالمصريين يعطون لهم درسا جديدا فى معانى الوطن والرأى.
قدمت ساندرا تشكيلة متنوعة من المواطنين فى الأعمار والمستويات الاجتماعية، تحدثوا عن مشاعرهم وإحساسهم تجاه دعوات الخروج يوم الجمعة التى صدرت بشكل رئيسى من قناة الجزيرة وتوابعها وباستعمال المقاول الزعيم الافتراضى التخصصى، الذى اتخذه بعض كبار العمقاء قائدا سياسيا من دون الناس، وهو أمر لا شك سوف يدفع الناس بعد انتهاء ظاهرة المقاول الافتراضى المفوه الشتام، لإعادة النظر فى القدرات العقلية والسياسية لتلامذة المقاول الفنان الزعيم الثورى الزلنطحى مقبل مدبر معا.
لقد تحدث الناس عن رفضهم لهذه الدعاوى بشكل قاطع، من دون أن يخفوا غضبهم أو اعتراضاتهم أو شعورهم بالضغوط الاقتصادية وآلام الإصلاح وهى مطالب مشروعة ومفهومة ويمكن النقاش حولها دائما من دون أى اتهام أو رفض، ومن دون التورط فى فوضى بلا أفق، يرسم سيناريوهاتها زعماء هاربون وخبراء تافهون يقدمون أنواعا من التحليلات الفكاهية، وبدا الكثير من المواطنين أكثر وعيا، ربما من بعض سكان النخبة الذين أصابتهم حيرة وضعتهم فى موضع من الارتباك جعلتهم تائهين «يلقحون» بكلام وبوستات يريدون بها وجه «الفريندز» أو رضا الفلورز.
لقد فشلت دعاوى إخوان الجزيرة وحزب المقاول الافتراضى الشتام، ليس كما تسعى الجزيرة للترويج بأن الأمر بسبب الحصار الأمنى والسيطرة، فقد سبق وتحدى المصريون كل هذا مرتين، لكن المصريين أدركوا أن المعارضة لا يمكن أن تأتى بخير من الخارج، وأن زعامات فى قطر وتركيا وبريطانيا وإسبانيا لا يمكن أن تكون أكثر من أدوات سبق استخدام مثلها فى العراق وسوريا وإلقائها فى مهملات ومخلفات التاريخ والجغرافيا. المصريون يعرفون هذا ببساطة، ولهذا كان رأى الغاضبين والمعترضين الطبيعيين، على العكس من تلاميذ المقاول الثورى الفنان الزلنطحى، من نشطاء سابقين تم تصويرهم فى فيرمونت، وأصبحوا تابعين لمقاول إسبانيا.
تجربة الجمعة الماضية، قدم المصريون بمجموعهم درسا جديدا فى فصل الخيوط الرفيعة بين التعبير عن الغضب، والانخراط فى الفوضى أو السير خلف نداءات غامضة لا تؤدى إلى الخراب، ويعرفون الفرق بين سعد زغلول، وبين زغلول الإسبانى التخصصى، وتجاوز وعى المصريين العاديين كثيرا عقول وتحركات خريجى فيرمونت، الذين أصبحوا تلاميذ المقاول الإسبانى الذى تحول إلى أضحوكة هو وقناة الجزيرة وتوابعها فى تركيا ولندن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة