يبدو أن الثورة السودانية وصلت أخيرا وبعد 36 عاما إلى الساحة الرياضية، وغدا ينطلق رسميا أول دورى فى تاريخ السودان لكرة القدم النسائية ، لتنتقل هذه اللعبة من الهواية إلى الاحترافية ، ومن الممارسة على نطاق ضيق بين السيدات إلى الممارسة العلنية المعترف بها رسميا من الدولة.
وتنطلق غدا أولى فاعليات الدورى السودانى لكرة القدم النسائية، بعد تسجيل حوالى 21 فريقا من الخرطوم والولايات ومحافظات وجامعات، وتم تسجيل 22 حكمة من السيدات للتحكيم بعضهن يملكن الشارة الدولية.
وأعلنت ميرفت حسين مسئول لجنة الكرة النسائية في اتحاد الكرة أن الدورى سيقام من أربع مجموعات في كل من الخرطوم، وودمدني والأبيض، وكادوقلي، على أن يتاهل فريقين من كل مجموعة، ويتم تقسيم الفرق إلى مجموعتين في ربع النهائي، يتاهل المتصدران إلى المباراة النهائية لتحديد البطل.
وجرى تسليم كافة الفرق والأندية المقيدة بالاتحاد كامل الزى والمعدات، مع استعداد جيد من قبل الاندية بإقامة دورات تنشيطية حسب التقسيم الجغرافي للأندية، مع بعض المشاركات الدولية في دول الجوار.
فالسودان فعليا على أعتاب عهد جديد، وظهر هذا من وجود اثنين من النساء في المجلس السيادي الحاكم الذى يضم في عضويته 11 فردا، وكذا تضم الحكومة 4 وزيرات بينهن أول وزيرة للخارجية وبينهم وزيرة للشباب والرياضة.
فبدء دورى كرة قدم للسيدات ، وبإطلاق دوري السيدات تكون الكرة السودانية ، قد دخلت مرحلة جديدة لم تكن متوقعة حتى قبل أشهر قليلة، وما هو إلا اعتراف صريح بحق النساء في ممارسة حياتهن بالتساوى كاملا مع الرجل ، وخاصة بعد دورهن الواضح فى الثورة الشعبية التى أطاحت بالرئيس السودانى عمر البشير من إبريل الماضى.
المرأة في الثورة السودانية
لتبدأ المسابقة بفرق التحدي "أول فريق كرة قدم نسائي في السودان" من الخرطوم في استاد الخرطوم، بجانب فرق أخرى منها الدفاع الخرطوم، والعباسية، ومن مدينة الأبيض ، ويجرى حاليا وضع قواعد تشكيل أول منتخب سوداني رسمي لكرة القدم النسائية، أملا في المشاركة بالمسابقات الدولية والإقليمية، وإن كانت الميزانية متدنية بعدما حدد كمال شداد رئيس الاتحاد السودانى مساهمة الاتحاد بمبلغ 50 ألف جنيه سوداني، للجنة كرة القدم النسائية و50 كرة لتوزع للفرق، إلا أن الدعم المقدم من الاتحاد الدولى لكرة القدم للقطاع النسائي قد يصل إلى 500 ألف دولار .
رئيس اتحاد كرة القدم السوداني
رياضة قديمة
وكرة القدم النسائية في السودان ليست حديثة النشأة ولا وليده قرارات الاتحاد الدولى لكرة القدم الذي الزم الدولة منذ سنوات بضرورة وجود نشاط رسمى لكرة القدم ، لكنها رياضة قديمة لها لاعبين وحكام ومدربين من الجنس الناعم ومشجعين ، ولها فرق ومسابقات مغلقة فى جامعات البنات ومدارسهن وبعض الأندية، فقط كانت تعانى من إهمال الدولة والحكومة التى تجاهلت الرياضة رسميا.
والرياضة النسوية السودانية التى غاب عنها الدعم والرعاية الرسمية ، فممارسة النساء لكرة القدم ليست بالأمر الجديد في السودان حيث كانت الميادين والساحات في السابق (تضج) بالنساء، حيث مارست المرأة كل انواع الرياضة وحققت نجاحات في ذلك، ويمكن ان الاشارة الي عدد من اللاعبات عديدة في مجالات الرياضة المختلفة والتحكيم وغيرها .
أول حكم فى العالم سودانية
ففي مجال كرة القدم حققن النساء فيها نجاحات كثيرة منها ممارسة التحكيم في كرة القدم كأول حكم سيدة في العالم والمنطقة العربية والإفريقية، وهي "منيرة رمضان أبكر" وكانت لاعبة ألعاب قوى ولعبت كرة السلة ، من أم درمان التى اعترفت بها الفيفا 1975، وكانت أول مباراة تقود فيه سيدة طاقم التحكيم بين فريقي الشاطئ وبيت المال في دار الرياضة بأمدرمان، وكانت بالأساس مديرة عبدالفتاح حمد مدرب المنتخب السوداني الذي حقق بطولة الأمم الإفريقية 1970م بالخرطوم فالسودان زاخر بأسماء سيدات حصلن على تقدير دولى في كرة القدم ومنهن "بلقيس خميس"، التي نالت الشارة الدولية.
فريق التحدى
فريق التحدي النسائي لكرة القدم في الخرطوم الذى تأسس 2001 على يد المدربين جوزيف اسكوباس ومايكل اركانجلو، بالخرطوم ، وشارك فريق التحدي الذي تقوده اللاعبة سارة أدوارد في بطولة ألمانيا عام 2010، ويتخذ الفريق من الحديقة الدولية بالخرطوم مقراً لتدريباته ، ويتم جمع اشتراكات شهرية من اللاعبات، لشراء مستلزمات اللعبة من الأعلام والكرات وقمصان الفريق.
وانتقل فريق التحدي في عام 2011 الى ملعب خاص بالاتحاد السوداني لكرة القدم الذي تعتقد سارة بأن عليه أن يدعمهن بالتدريب والمعدات. ولم يطلب منهن الاتحاد أيضا مغادرة ملعبه، ولكنه لم يف بوعوده، فاضطرّ الفريق إلى المغادرة من ملعب تدريب الى اخر.
ويوجد إلى الآن عدة فرق نسائية مسجلة في الاتحاد منها المدفعجية، والأمل، كما أن اتحاد الخرطوم المحلي لكرة القدم استقطب منذ 2012، الفتيات من خلال دورات تدريبية مكثفة لتأهيلهن لإدارة مباريات كرة القدم مستقبلا.
ليس هذا فحسب فالكرة السودانية كانت على موعد بوصول "سلمى الماجدي" للاحتراف، ولكن ليس في مجال اللعب فقط ، بل فى مجال التدريب ، وحصلت على رخصة من الاتحاد السوداني لكرة القدم والاتحاد الأفريقي لكرة القدم، ووصل الأمر أيضا إلى أن تدرب سلمى الماجدى عدة فرق كرة قدم للرجال في السودان، ضمن الدورى الممتاز، كأول امرأة تفعل ذلك في إفريقيا والعالم العربي.
كما أن عائشة محمد ، كانت لاعبة منتخب السودان لكرة السلة، واقتحمت مجال التدريب لكرة القدم بتولى قيادة فريق "المدفعجية السوداني" للرجال منذ 2008 ، وعملت فى الإمارات العربية مع شباب الجالية السودانية فى دبى، واستطاعت أن تحقق مع الانجازات ، ويضم الفريق لاعبين هواة ومحترفين في أندية سودانية يشاركون معهم في أوقات توقف المنافسات لأنديتهم بالإمارات.
صعوبات أمام السيدات سابقا
لكن كانت هناك صعوبات أمام السيدات فى ممارسة كرة القدم ، ففي 2012 ، أصدر مجمع الفقه الإسلامي فى السودان فتوى تحرم تكوين فرق نسائية لكرة القدم تلعب خارج السودان في أفريقيا ،آسيا وأوروبا ووصف ذلك بأنه مفسد للأخلاق وبعيد عن تقاليد المجتمع السوداني، وجاءت تلك الفتوي عقب مطالبة الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) من السودان بتكوين فريق نسوي لكرة القدم للمشاركة في المنافسات العالمية والإقليمية.
وقد شهدت كرة القدم للسيدات في السودان صعوبات كبيرة منذ عام 1983 ، وحتى وقت قريب، كانت المرأة فى السودان تحرم من مشاهدة مباريات كرة القدم داخل الملاعب ، ومع الضغوط أقر نظام الحكم السابق في السودان أبممارسة الرياضة على مضض فى 2012 تقريبا، ولكن الحكومة وقتها اشترطت ارتداء الزي الشرعي "تشيرتات بأيادي طويلة وطرحة وبنطلون كامل)، وممارسة اللعبة في صالات مغلقة على النساء فقط دون مشاهدة من الرجال، ومراعاة ما اسمته القيم والتقاليد ، ومع هذا تم تكوين فرق نسائية كثيرة وزاد عدد فرق السيدات، كما اخترقن مجال التدريب ورئاسة الأندية، فضلا عن مجال التحكيم، وإن كان بأعداد محدودة.
وكان مهرجان برلين السينمائي تناول فى دورته الأخيرة فيلم وثائقي باسم "أوفسايد الخرطوم" عن حلم فتيات بتشكيل أول منتخب وطني للسيدات السودانيات، وتضمن لاعبات محرومات من تمثيل وطنهن في الخارج وتأسيس دوري نسائي في الداخل، وتضمن رسالة من السيدان جاء فيها : نحن - النساء - محرومات من صناعة الأفلام أو لعب كرة القدم.
صوت المرأة في الاتحاد العام
فالتغيير الإيجابى بدأ بالسماح بمشاركة السيدات فى اتحاد كرة القدم والذى تم انتخابه 2017 ، وذلك تطبيقا لتوجيهات الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" بتخصيص مقعد للمرأة في الاتحاد ضمن هيكليته الجديدة، كشرط أساسي لعدم تعرض النشاط الكروي في البلاد للتجميد.
ونافسن فيه ثمانى سيدات من مختلف الرياضات النسائية، وفازت فيه ميرفت حسين ، وهي معلقة تلفزيونية سابقة ، والتى أعلنت في ديسمبر الماضي تدشين نشاط كرة القدم النسائية رسميا، تمهيد لانطلاق أول دوري للسيدات.
ميرفت حسين
سلمى الماجدي، مدربة كرة قدم ، علقت على بدء الدورى للسيدات بأنها "بداية في مشوار الألف ميل لتحقيق طموحات المرأة في كرة القدم"، وأكدت أنها بمثابة إعلان رسمي عن وجود صوت نسائي في هذه الرياضة، وهناك الكثير من النساء لديهن الرغبة في ممارسة النشاط الكروي.
وفي وقت تساءل البعض عن الزي الذي قد يرتدينه، أكدت ميرفت حسين ممثلة المرأة في اتحاد الكرة ، أن اللاعبات سيلتزمن بزي رياضي يراعي خصوصية السائد من الثقافة السودانية.
وأكد عبد الرحيم حماد ، نائب رئیس كرة القدم النسائیة أن 2019 سیكون عام التحول الجذري لكرة السیدات وقد تم اعتماد 100 ألف جنيه لممارسة النشاط النسائي ، مع توفير التنقلات والسكن للمشاركات وهى لأول مرة ، وأنه تم الاتصال بالكثير من الفرق الخارجية لإقامة مباريات ودية مع فرق سودانية ،وأن الدورى يشتمل على نظام المجموعات قبل الوصول إلى المباراة النهائية التى ستقام في الخرطوم من مجموعة واحدة ، وتم إقامة دورات تنشيطية للولايات في كرة القدم النسائية تمهيدا لبدء النشاط الرسمي، وقد فاز فيها هلال الأبيض على منافسة المريخ ، وقد كان هناك ايضا دورة رمضانية كانت ضمن التحضيرات للدوري الرسمي .
وانضم السودان رسميا الى الاتحاد الدولي لكرة القدم عام 1948 ، وأسس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم الى جانب مصر وجنوب إفريقيا وإثيوبيا، إلا أن مستوى كرة القدم في البلاد لم يشهد نمواً كبيراً، واقتصرت إنجازات منتخب الرجال على التتويج بلقب كأس الأمم الأفريقية مرة واحدة، عام 1970.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة