لاشك أن الزيادة السكانية فى مصر تمثل ناقوس خطر على التنمية، إذ أن سرعة النمو السكانى فى مصر يلتهم معدلات التنمية ويسبب أزمات عديدة داخل المجتمع المصرى، تنعكس على الحالة الاقتصادية والتعليم ومستوى الخدمات الصحية ونصيب الفرد فى المياه والناتج القومى للبلاد وفرص الحصول على العمل وخلاف ذلك من الأمور التى لا حصر لها.
وانطلاقا مما تمثله الزيادة السكانية من خطر كبير بات يهدد المجتمع المصرى ، يرصد "اليوم السابع" فى هذا التقرير كل ما تريد معرفته عن الزيادة السكانية فى مصر ومتى حدث الانفجار السكانى داخل مصر ، وارتباط المعتقدات الدينية والثوابت بالزيادة السكانية ، تأثيرات الزيادة السكانية على الاقتصاد والعجز المائى والناتج القومى، بالإضافة إلى الإجابة على السؤال الأهم لماذا فشلت الحملات السابقة لمواجهة الزيادة السكانية ونجحت الحملة الأخيرة" اثنين كفاية" من خلال رصد تراجع معدلات النمو السكانى منذ إطلاق الحملة، بجانب خطة وجهود الحكومة والوزارات المختلفة للحد من الزيادة السكانية.
رحلة الزيادة السكانية فى مصر
سجلت الساعة السكانية فى مصر ، نهاية شهر أغسطس الماضى ، عدد سكان مصر ليصل إلى 99.2 مليون نسمة، وبالمتابعة يتكشف لنا رحلة الزيادة السكانية فى مصر وفقا للمقارنة التى أعدها المجلس القومى لحقوق السكان حول تطور اعداد السكان والمواليد بين تعداد 2006 و2017 ، حيث بلغ عدد سكان مصر فى عام 2006 حوالى 72 مليون نسمة بينما شهد زيادة فى عام 2011 ليسجل 80.5 مليون نسمة، وفى عام 2012 بلغ عددهم 82.6 مليون نسمة ، و فى عام 2013 وصل إلى 84.6 مليون نسمة ، فيما بلغ عدد السكان فى 2014 إلى 86.8 مليون نسمة ، وفى عام 2015 بلغ 88.9 مليون نسمة ، اما عام 2016 وصل النمو السكانى فى مصر إلى 91.6 مليون نسمة ، وفى عام 2017 سجلت الزيادة السكانية 94.7 مليون نسمة.
رحلة الزيادة السكانية من واقع تقارير المجلس القومى للسكان
ومع تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى مسئولية الدولة المصرية ووضع أزمة الزيادة السكانية فى مصر فى دائرة الاهتمام نظرا لما تمثله من مشكلة كبيرة تحتاج إلى جهود كبيرة فى سبيل مواجهتها ونجح فى تحقيق ذلك، و وفقا لتقرير المجلس القومى لحقوق الانسان عام 2017، نجد تراجعا وانخفاضا ملحوظ لمعدلات النمو السكانى بداية من عام 2014 وحتى الآن ، حيث بلغت نسبة الزيادة فى عام 2014 حوالى 2.72 مليون نسمة ، اما فى عام 2015 فتراجعت نسبة الزيادة وسجلت 2.68، اما فى عام 2016 وصلت الزيادة السكانية 2.6 مليون نسمة ، وفى عام 2017 بلغت الزيادة 2.5 مليون نسمة .
مقارنة بين نسب السكان من2014 حتى 2017
لماذا فشلت حملات مواجهة الزيادة السكانية سابقا ونجحت حملة " اثنين كفاية"؟
عشرات الحملات والمبادرات التى أطلقتها الدولة المصرية فى سبيل مواجهة أزمة الزيادة السكانية ولكن كانت محلك سر لم تحقق الهدف والغرض المرجو منها بسبب ما تعرضت له من حملات ممنهجة ضدها تهدف إلى دعوة المواطنين لزيادة نسبة المواليد، إلا أن الحملة الأخيرة التى اطلقتها وزارة التضامن الاجتماعى "2 كفاية" فى نهاية العام الماضى ، نتائج كبيرة فى سبيل مواجهة الزيادة السكانية ، حيث ركزت الحملة على توجيه رسائل مبسطة للمواطنين حول التأثيرات السلبية للزيادة السكانية ، كما تناولت بعض المفاهيم الخاطئة حول كثرة الانجاب .
ودائما ما كانت تواجه حلول ازمة الزيادة السكانية وحملاتها صدام كبير مع المعتقدات الدينية ، نظرا لوجود بعض الدعاة السلفيين الذين يرفضون الفكرة ويتصدون بكل قوة لأى حملة أو استراتيجية تطلقها الدولة بل ويوجهون الدعوات إلى المواطنين للحث زيادة النسل استنادا إلى بعض الاحاديث النبوية ، وهو الأمر الذى ساهم فى تفاقم الأزمة وارتفاع معدلات النمو السكانى .
آمنة نصير استاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر تقول ، إن هناك بعض المعتقدات الدينية الخاطئة بشأن مواجهة الزيادة السكانية، موضحة أن المقصود ضبط النسل لمواجهة الزيادة السكانية وليس تحديد النسل ، مؤكدة أن الاستشهاد بما جاء فى حديث الرسول "ص" للمجتمع الصغير فى عصره" تنكاحوا تناسلوا فإنى مفاخر بكم يوم القيامة" اذا كان هناك علة لهذا الحديث وتتمثل فى قلة عدد المسلمين فى عصره ، فجاء الحديث بمناسبة الواقع المجتمعى له .
وأضافت آمنة نصير لـ"اليوم السابع" عصرنا والزمن اختلف وكثرة البشر زادت وفاضت ولم يعد لدينا قلة فى نسل حيث أصبحنا بالمليارات، وفى حديث آخر للرسول حذر فيه من الكثرة التى تسير كغثاء السيل، وذلك نتيجة لقلة الموارد التى تنعكس على الخدمات المقدمة.
واستطردت نصير ، اتمنى مما يتصدوا للخطاب الدينى أن يدركوا المعنى والمغزى فى الحديث الأول والثانى وأن يصلوا إلى النتيجة الحكيمة العاقلة التى تتماشى وتتناسب مع ظروف العصر .
تأثيرات الزيادة السكانية على الاقتصاد والعجز المائى والناتج القومى
و نتيجة لفشل حملات تنظيم النسل على مدار السنوات السابقة لحكم الرئيس عبد الفتاح السيسى ، احتلت قضية الزيادة السكانية جزء كبيرا من اهتمامه، حيث حذر الرئيس ملايين المصريين من مخاطر الزيادة السكانية وذلك فى عام 2017 ، مؤكدا أن ن أكبر خطرين يواجهان مصر هما الإرهاب والزيادة السكانية، وفي عام 2018 جدد الرئيس تحذيره مرة أخرى واصفاً مواجهة الزيادة السكانية بالتحدى الكبير أمام الدولة المصرية، كونها تلتهم آثار التنمية التى سخرت لها الدولة مليارات الجنيهات.
وانطلاقا من حديث الرئيس نجد أن الزيادة السكانية تمثل عدو للتنمية خاصة وأنها تلتهم الناتج القومى وتعطل مسيرة التنمية حيث أن تقلل من فرص العمل أمام الشباب ، كما أنها تمثل شبح يزيد من صعوبة العجز المائى فى مصر ، حيث شهد نصيب الفرد فى المياه تراجع كبير بشكل ملحوظ فبعدما سجل نصيب الفرد فى خمسينات القرن الماضى أكثر من 2000 متر مكعب سنويا نظرا لكون تعداد السكان فى ذلك الوقت نحو 25 مليون مواطن ، إلا أنه تناقصت حصة الفرد بشكل كبير لتصبح حوالى 1500 متر مكعب بسبب الزيادة السكانية ،وانخفضت حصة المواطن فى المياة لتصل إلى 800 متر مكعب فى نهاية 2008 مع وصول التعداد السكانى إلى 75 مليون نسمة.
الدكتور عمرو حسن مقرر المجلس القومى للسكان
ويقول الدكتور عمرو حسن مقرر المجلس القومى للسكان ، إن ارتفاع معدلات الزيادة السكانية سبب رئيسى فى عدم شعور المواطن بتحسن الوضع الاقتصادى ، حيث أن الزيادة السكانية تلتهم زيادة معدلات النمو الاقتصادى ، موضحا أن الزيادة السكانية تعتبر وقود للإرهاب ، كونها زيادة غير متسلحة بالعلم وغير متسلحة بالمال وبالتالى يكون من السهل تجنيدهم واستخدامهم فى العمليات الإرهابية.
وأشار مقرر المجلس القومى للسكان، إلى أن عام حكم جماعة الإخوان والتيارات الدينية المتشددة المصاحبة لها كان سبب رئيسى فى تفاقم أزمة الزيادة السكانية ، وكذلك ثورة 2011 ، نظرا لكونهم أثرا سلبا فى الزيادة السكانية ، لكون جماعة الإخوان شجعت المصريين على زيادة الانجاب وعدم تنظيم الأسرة ، لأنها تعتبر أن هذا الأمر يتعارض مع الشرع ، موضحا أن غياب الدور التوعوى الإعلامى من بعد احداث يناير 2011 تسبب فى زيادة نسبة السكان أيضا.
وذكر الدكتور عمرو حسن ، أن معدل الإنجاب العام انخفض من 120.2 طفل لكل ألف سيدة في عام 2014 ، إلى 99.2 طفل لكل ألف سيدة في عام 2018 ، كما انخفض معدل المواليد من 31.1 طفل لكل ألف من السكان إلى 24.5 طفل لكل ألف من السكان، كما انخفض عدد المواليد من 2 مليون و720 ألف مولود في عام 2014 ، إلى 2 مليون و382 ألف مولود في عام 2018 ، كما انخفض معدل الزيادة الطبيعية من 2.52% إلى 1.87% عام 2018.
وتابع مقرر المجلس القومى لحقوق الانسان ، أن الانخفاض الواضح في معدل الإنجاب العام ، ومعدل المواليد ، وعدد المواليد ، ومعدل الزيادة الطبيعية ، أن هناك انخفاضاً ملموساً في معدل الإنجاب، وهو ما يشير إلى تحسن وضع برنامج تنظيم الأسرة في مصر ، ومن ثم التأكيد على أهمية النظر إلى زيادة أوجه الإنفاق في مواجهة المشكلة السكانية كجزء أساسي من استثمارات الدولة ، فقد أكدت الدراسات المختلفة سواء فى دول العالم أو مصر ، أن الإستثمار فى تنظيم الأسرة ، يعد استثماراً مربحاً.
وحول طرق مواجهة الزيادة السكانية ،ذكر الدكتور عمرو حسن ، أن هناك إستراتيجية أعدتها الحكومة بشأن مواجهة الزيادة السكانية و التى اعتمدت على 5 محاور رئيسية بمشاركة وتكاتف جهود العديد من الوزارات ، الأول يتمثل فى محور تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية ، ويتضمن المحور الثانى التركيز على الشباب وصحة المراهقين والذى يهدف إلى تنمية المهارات وخفض نسبة البطالة ، والمحور الثالث يدور حول الخطة التعليمية للنهوض بالتعليم ورفع معدلات الالتحاق بالتعليم ، بالإضافة إلى محور الإعلام والتواصل الإجتماعى تتولاه وسائل الإعلام من خلال توعية المواطنين وتذكيرهم بالمشكلة ، والمحو الخامس تمثل فى تمكين المرأة ورفع مساهمتها فى قوة العمل .
وأكد الدكتور عمرو حسن مقرر المجلس القومى للسكان، أن إستراتيجية مواجهة النمو والزيادة السكانية 2030 ، تستهدف النزول بمعدلات الإنجاب الكلى إلى 2.4 بمعنى أن يصل معدل إنجاب كل 10 سيدات إلى 24 طفلا، مؤكدا أن مواجهة الزيادة السكانية تمثل حرب وعى لبناء الدولة المصرية .
التنبؤات السكانية باستراتيجية 2030
جهود البرلمان نحو مواجهة الزيادة السكانية
وعلى نفس النهج الذى تسير فيه الحكومة لمواجهة الزيادة السكانية ، نجد مجلس النواب يسير فى نفس الطريق نظرا للخطورة التى تحملها الزيادة السكانية المستمرة فى مصر باعتبارها تحدى كبير يعرقل مسيرة التنمية الاقتصادية.
ويقول النائب محمد أبو حامد وكيل لجنة التضامن بالبرلمان ، إن ملف الزيادة السكانية يعد من أبرز أولويات عمل اللجنة خلال دور الانعقاد الخامس للبرلمان لمتابعة تنفيذ استرايتيجة الزيادة السكانية 2030 والتى تم وضعها منذ عام 2014 إبان تولى المهندس إبراهيم محلب رئاسة الحكومة .
وأشار أبو حامد لـ" اليوم السابع" أن الاستراتيجية لم يتم تنفيذها بشكل كامل رغم ما تضمنته من تنسيق تام بين مختلف المؤسسات لمواجهة الزيادة السكانية، لافتا إلى أن هناك العديد من مشروعات القوانين التى تم تقديمها الفترة الماضية بشأن مواجهة الزيادة السكانية وستكون فى أولوية العمل بدور الانعقاد المقبل والتى تتضمن تحفيز المواطنين على قلة الانجاب ، بالإضافة إلى تبنى اللجنة عقد مؤتمر برعاية الرئيس السيسى بشأن متابعة تنفيذ استراتيجية مواجهة الزيادة السكانية، بجانب مشروع قانون يمنح استقلالية للمجلس القومى للسكان يمنحه استقلالية تمكنه من ممارسة مهامه وإعداد تقارير لتقديمها للرئيس والبرلمان والحكومة حول تنفيذ الاستراتيجية.
كما تستعد لجنة الدفاع والأمن القومى لمناقشة مشروع قانون بشأن ضبط النمو السكانى ومواجهة الزيادة السكانية حيث من أولويات اللجنة خلال دور الانعقاد الخامس والأخير لمجلس النواب.