أكرم القصاص

مصطفى اللباد.. حدائق الأحزان على خسارة مفكر كبير

الثلاثاء، 03 سبتمبر 2019 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عندما يرحل صديق فى قيمة مصطفى اللباد، فإن صدمة الرحيل تبعثر مشاعر الواحد وتضعه فى ركن مظلم من أحزان لا تبدو لها نهاية، والحق أن صدمة رحيل الدكتور مصطفى اللباد، هى الأكثر قسوة بعد رحيل الأشقاء، فقد كان بمثابة أخ امتدت صداقتنا لأكثر من عشرين عاما، ويبدو من الصعب التعامل معه على أنه ماض، بينما يمثل وجوده وأفكاره حضورا لا ينتهى.
 
تعرفت على مصطفى اللباد، بعد ثلاثة أعوام من عودته بعد الحصول على الدكتوراه فى «الاقتصاد السياسى للشرق الأوسط» من ألمانيا فى منتصف التسعينيات من القرن العشرين، وارتبطنا بصداقة وتمازجنا على مدى سنوات منذ نهاية التسعينيات استمرت وقويت، كنا نقضى الساعات فى حكايات لا تنتهى ونمارس حنينا إلى جذورنا بوسط الدلتا، جذور اللباد تعود لدسوق بكفر الشيخ، وأنا على بعد كيلو مترات ببسيون غربية، ورسمنا خططا لنزور جذورنا وبالرغم من أن مصطفى قاهريا أكثر منى، لكن يحتفظ بروح أجداده ويحن لها مثلما أفعل وظل هو وأسرته يمتلكون هذا الحس الإنسانى للمثقف المصرى المحب للناس والمرتبط بعالمه العائلى الدافئ، شخصيا كان مصطفى كريما وشهما وقريبا يمتلك روح جادة لا تخلو من حنان طاغ وعاطفة جياشة. 
 
ظللنا سنوات نتبادل الزيارات والسهرات والجلسات تمتد بيننا ساعات، نتبادل الحديث عن الأكلات المشتركة والأجواء والعادات، ونشعر بسعادة الحنين واستعادة العالم الذى نحبه، وكنت أعرف أننى واحد من أصدقاء مصطفى اللباد، فما إن تتعرف عليه إما أن تكون صديقة أو لا تكون، ولهذا تبدو خسارته كبيرة وسط كل من عرفه، خاصة  أن مصطفى اللباد مفكر كبير ومثققف موسوعى، اختطف فى قمة عطائه وتألقه، ومثل رحيله خسارة لا تعوض.
 
ولم تخل لقاءاتنا من التطرق للأحداث العامة والمحلية والإقليمية، بل وكثيرا ما كنت أطلبه لا تعرف على تصوراته لأحداث أو توقعاته لمجربات إقليمية وفى كل مرة كان ذا رؤية عالم، لا يكتفى بالتحليل، لكنه يحيل إلى مراجع ومقالات تكشف مدى حرصه على المتابعة والعمق، ناهيك عن إدراك للخيط الفاصل بين الموقف المبدئى والتصور العلمى. 
 
لايحتاج مصطفى اللباد إلى شهادة عن علمه وثقافته وقدرته الهائلة على تحليل أكثر الأحداث تعقيدا فيما يتعلق بمجال تخصصه فى الشؤون الإيرانية والتركية وآسيا الوسطى، رابطا كل هذا بقضايا مصر والشرق الأوسط، وكان مرجعية فى هذا لا يتوقف عن المتابعة والمعايشة والاقتراب من المجتمعات التى يدرسها.
 
فى كتاباته وتحليلاته يمتلك مصطفى اللباد قدرا هائلا من الموضوعية والعدالة، فهو يتعامل مع وقائع ومواقف وليس مع أشخاص وكثيرا ما كان يظهر فى مناقشات يواجه فيها مختلفين معه، ولا يخرج أبدا عن قواعد الموضوعية أو يتجاوز فى حق من أمامه حتى لو كان يفتقد للمعرفة، مصطفى اللباد كان يستند إلى ثقافة موسوعية تتجاوز مجال تخصصه لرؤية شاملة، إذا تحدث من الصعب أن تتوقف عن الإنصات إليه، فهو غزير العلم والمعارف، عميق مع أسلوب سلس مبهر يستند إلى المنطق ويوظف المعرفة بشكل نادر. 
 
طبعا كانت له انحيازاته الفكرية، لكنه أبدا لم تكن تمنعه من إصدار تحليلات تتسم بالموضوعية، لهذا فإن مصطفى اللباد يحظى باحترام كل من عرفه حتى هؤلاء الذين كان يختلف معهم، ولم تكن تحليلاته وتوقعاته تبتعد كثيرا عن الواقع. وخلال أكثر من عشرين عاما كتب مئات المقالات لم خرج فى اى منها عن هذه القواعد الفكرية والمهنية. وكانت مجلة شرق نامه التى رأس تحريرها كانت أهم فصلية متخصصة فى شؤون إيران وتركيا وآسيا الوسطى، صدرت فى عام 2000 برئاسة تحرير مصطفى اللباد إدراكا مبكرا للأهمية التى تحتلها هذه المنطقة من توازنات السياسة والنفوذ فى الشرق الأوسط، رئيس تحريرها مصطفى اللباد. تصدر عن دار المستقبل العربى.
 
وفى كتبه «حدائق الأحزان - إيران وولاية الفقيه»، 2006. وكتاب «تركيا بين تحديات الداخل ورهانات الخارج» الذى كان جهدا مشتركا عام 2009. وفى هذه الكتب بالرغم من مرور سنوات على صورها تبقى مراجع مهمة لمن يريد ان يعرف، ومقالاته المنشورة، تمثل تراثا مهما ومادة لعدة كتب يمكن أن تفيد فى دراسة ومعرفة عالم إيران وتركيا بشكل علمى خاصة أن مصطفى اللباد كان مفكرا قادر على الانتقال من التحولات الخاصة إلى الاستنتاجات الاستراتيجية العامة. 
 
ربما ينطبق على رحيل مصطفى عنوان أهم كتبه «حدائق الأحزان»، والعزاء لنا، ولأسرته الصغيرة، شقيقه الصديق الفنان أحمد اللباد، وزوجته السيدة زينب غصن، وولديه حسن ونديم، وأصدقائه وتلاميذه فى مصر والوطن العربى كله.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة