عندما عاتب والد "جميل بن معمر" ابنه الشاعر لأنه يتعرض بالشعر لـ "بثينة" ويتغزل فيها قال له "جميل" حسبما ذكر كتاب "جميل بثينة " لـ عباس محمود العقاد": هل رأيت قبلى أحدا قدر أن يدفع قلبه هواه؟ أو ملك أن يسلى نفسه؟ أو استطاع أن يدفع ما قضى عليه؟ والله لو قدرت أن أمحو ذكرها من قلبى أو أزيل شخصها من عينى لفعلت.
ولكن لا سبيل إلى ذلك، وإنما هو بلاء بليت به لحين قد أتيح لي، وأنا أمتنع من طروق هذا الحى والإلمام بهم ولو مت كمدا، وهذا جهدى ومبلغ ما أقدر عليه".
الشعر العربى حافل بقصص الحب ومانح لأسماء النساء مكانة مميزة وخلودا، ومن الحكايات الشهيرة فى هذا الشأن قصة "جميل بن معمر وبثينة"، والذى عرف فى كتب تاريخ الأدب باسم محبوبته، فأطلقوا عليه"جميل بثينة".
الشاعر اسمه جميل بن معمر القضاعى، ولد سنة 82 للهجرة 701 ميلادية، وهو أحد رواة الشعر القدماء، وأحد فصحاء العرب وواحد من أشهر شعراء العصر الأموى.يرجع نسب جميل إلى قبيلة عذرة، من قضاعة من حمير من قبيلة سبأ التى ترجع إلى قحطان.
ويعدُّ جميل بن معمر أحدَ أشهر شعراء العرب والسبب راجع إلى قصة حبِّه لـ بثينة بنت حيان بن ثعلبة العذرية، وهى من قبيلة عذرة أيضًا، أحبها جميل فهام على وجهه، ويقال إن بداية تعرفهما عندما رأى جميل بثينة فى صغره عندما كان يرعى الإبل، فجاءت بثينة بإبلِ أهلها ووردت الإبل إلى الماء فخافت إبل جميل من إبل بثينة ونفرت منها، فسبَّ جميل بثينة ولم تسكت بثينة فسبته أيضًا، ومن هنا بدأت قصة الحب.
عندما كبرت بثينة خطبها جميل من أبيها فرفض أبوها تزويجه إياها وزوجها رجلًا آخر، فـ جن جميل بها وكتب لها أرق الكلمات وأبدع فيها أروع القصائد، فهو القائل فى بثينة بعد أن رفض أهلها تزويجه بثينة:
ولو أنَّ ألفًا دون بثنَةَ كلُّهم غَيارى/ وكلٌّ حاربٌ مزمعٌ قَتْلِي/ لحاولتُها إمَّا نهارًا مجاهرًا/ وإمَّا سُرى ليلٍ ولو قُطِّعتْ رِجْلِي.
استقر جميل فى مصر بعد أن مدح واليها عبد العزيز بن مروان فى أبيات شعرية وصفت عدله وحكمته ورجاحة عقله، حيث طلب الوالى لقاءه، وعندما حضر إليه طلب منه أن يقول الشعر الذى أعجبه فطلب أن يستزيد فى قوله واستمر حتى ذكر شعره فى بثينه فسأله عن قصة هذه الأبيات فسرد له قصة حبه الحزينة حتى تأثر الوالى، ورأف بحاله، وأهداه بيتا فى مصر عاش فيه معظم حياته.
توفى جميل بثينة فى مصر، وسأله أحدهم وهو على سرير المرض ألم تزن قط؟ وأنت تنسب لبثينة طوال عشرين عاما فرد عليه قائلا: والله لا نالتنى شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم إن كنت وضعت يدى عليها.
لكن الدكتور طه حسين له رأي مختلف فى هذا الأمر، فهو ربما اتفق على وجود جميل بن معمر كشخص، لكنه أنكر قصة جميل وبثينة، وأحالها إلى ضروب من الوهم والخيال، والزيف والخداع، ورأى أن الرواة اتخذها مذهباً يكتسبون منه الكثير من المال.