أنهى علماء الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف أعضاء القافلة التاسعة بالعاشر من رمضان، إلى مدينة العاشر من رمضان بمحافظة الشرقية، جولتهم اليوم بالمدينة والتى دار الحديث فيها عن :" من دروس الهجرة: بناء الدول".
وخلال عمل القلفلة أكد الشيخ جابر طايع يوسف رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف، أنَّ هِجْرَةَ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) مِنْ مَكَّةَ المُكَرَّمَةِ إِلَى المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ حَدَثٌ تَارِيخِيٌّ عَظِيمٌ غَيَّرَ مَجْرَى التَّاريخِ البَشَرِيِّ ، وأنها كانت تَحَوُّلاً إِيجَابيًّا نَحْوَ بِنَاءِ الدَّوْلَةِ المَدَنِيَّةِ عَلَى أُسُسٍ رَاسِخَةٍ مِنَ العَدَالَةِ والمُسَاوَاةِ وَحُرِّيَّةِ الاعْتِقَادِ وَحِفْظِ الكَرَامَةِ الإِنْسانيَّةِ، وَتَرْسِيخًا لِفِقْهِ التَّعَايُشِ السِّلْمِيِّ، وَتَأْسِيسًا لِلْعَيْشِ الإِنْسَانِيِّ المُشْتَرَكِ والتَّرَابُطِ الاجْتِمَاعِيِّ بَيْنَ أَبْنَاءِ الوَطَنِ الوَاحِِدِ ، والمُشَارَكَةِ فِي النَّشَاطِ الاقْتِصَادِيِّ بِشَتَّى صُوَرِهِ وَمُخْتَلفِ أَلْوَانِهِ.
وأكد الدكتور محمد أبو زيد الأمير نائب رئيس جامعة الأزهر، أن أَوّلَ مَا قَامَ بهِ النّبيُّ (صَلىَ اللهُ عَليهِ وسلمَ) حِينَ قَدِمَ المَدينةَ المُنوّرةَ بِنَاءُ المَسجِدِ ؛ لأَنَّ عَلاقَةَ الإِنسانِ بِخَالقِهِ هِيَ صِمَامُ الأَمَانِ لِكُلِّ شَيءٍ ، فَالتَّدينُ الصَّحِيحُ أَهَمُّ عَوامِلِ بِنَاءِ الشَّخصيةِ السَّويةِ التِي تَبْنِي وَلاَ تَهْدِمُ ، وَتَعَمّرُ وَلاَ تُخَرّبُ ، وَبقدرِ الانحِرافِ عَن صَحِيحِ الدِّينِ ، أَوْ قَدرِ الفَهمِ الخَاطِئِ لَهُ يَكُونُ الخَللُ فِي تَكوِينِ الشخصيةِ ، كَمَا أنَّ للمَسجدِ رِسَالتَهُ العَلمِيةَ وَالاجتماعيةَ التِي تُرسِي الثَّوابتَ وَالقِيمَ فِي المُجتمَعِ ، وتُسْهِمُ فِي خِدْمَتِه .
وأكد الشيخ علي أحمد إبراهيم خليل رئيس قطاع المعاهد الأزهرية أنَّ الأممَ التِي لَا تَمْلكُ وَلَا تُنتِجُ قُوتَها ، وغِذَاءَهَا ، وكِسَاءَها ، ودَوَاءَها ، وسِلَاحَهَا ، لا تَمْلكُ أمْرَهَا ، ولا إِرَادتَهَا ، ولا كَلِمَتهَا ، ولَا عِزَّتهَا ، ولَا كَرَامتها ، وقد قالوا: أحْسِنْ إِلى مَنْ شِئْتَ تَكُنْ أَمِيرَه ، واسْتغنِ عَن مَن شِئتَ تَكُنْ نَظِيرَهُ ، واحْتَجْ إِلَى مَن شِئتَ تَكنْ أَسِيرَه ، وقَد علَّمنا دينُنَا الْحَنيفُ أنَّ اليدَ العُليَا خَيرٌ مِن اليدِ السُّفلَى ، حيثُ يقولُ نَبيُنا (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (اليدُ العُليا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلى) ، ويقول (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (اليَدُ المُعطِيةُ هي العُليَا ، والسَّائِلةُ هي السُّفلَى) ، ولَا شكَّ أنَّ ذَلكَ ينطبقُ علَى الأممِ والمؤسساتِ والأسرِ والأفرادِ معًا.
وأكد فضيلة د. سعيد عامر عضو مجمع البحوث الإسلامية، أنّ الاقتصادَ القَويَّ من أهمِ دعائمِ الدولةِ وركائزِها الرئيسةِ التِي لاَ تقومُ ولا تُبنى إلا بِها ؛ فالاقتصادُ القويُّ المستقر ُّ يمكنُ الدولَ من الوفاءِ بالتزامَاتها المحليةِ والدوليةِ ، فضلًا عن أنهُ يحققُ حياةً كريمةً لمواطنيِهَا ، وحينَ يضعفُ الاقتصادُ ينتشرُ الفقرُ والمرضُ ، وتضطربُ الحياةُ ، وتنشبُ الأزماتُ ، وتفسدُ الأخلاقُ ، وتكثرُ الجرائمُ ، وتكونُ الفرصةُ مهيئةً أمامَ الأعداءِ المتربصينَ بالدولِ ، العاملينَ علىَ إسقاطِها وإدخَالهَا فِي فوضَى لا تنتَهِي .
وأوضح د. عطا عبد العاطي السنباطي عميد كلية الدراسات العليا، أن نَبِينَا (صلى الله عليه وسلم) بَنَى دَوْلَةً قَوِيَّةً بَعْدَ الهِجْرَةِ ، وَضَعَ أُسُسَهَا فِي وَثِيقَةِ المَدِينَةِ، وَلَمْ يَكْتَفِ نَبِيُّنَا (صلى الله عليه وسلم) بِالمُؤَاخَاةِ بَيْنَ المُهَاجِرِينَ والأَنْصَارِ عَلَى مَا كَانَ بَيْنَهُمْ مِنْ خِلافَاتٍ وَنِزَاعَاتٍ ، وَإِنَّمَا انْتَقَلَ إِلى مَعْنًى إِنْسَانِيٍّ مِنْ خِلالِ صِيَاغَتِهِ لـ «وَثِيقَة المَدِينَةِ» ، الَّتي تُعدُّ أَعْظَمَ وَثِيقَةٍ بَشَرِيَّةٍ فِي تَارِيخِ الإِنْسَانِيَّةِ ؛ حَيْثُ أَقَرَّتِ الحُقُوقَ والـوَاجِـبَاتِ لِـجَمِيعِ أَبْنَاءِ المُجْتَمَعِ ، وَأَصَّلَتْ لِلتَّعَايُشِ السِّلْمِيِّ بَيْنَ أَبْنَاءِ الوَطَنِ مِنْ جِهَةٍ، وَبَيْنَ الإِنْسَانِيَّةِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى ، بِمَا يَجْعَلُهَا أَعْظَمَ وَثِيقَةٍ إِنْسَانِيَّةٍ فِي فِقْهِ التَّعَايُشِ عَلَى مَرِّ التَّارِيخِ .
وأكد د. محمد إبراهيم حامد وكيل مديرية أوقاف الشرقية، أن احْتِرَامَ المُعْتَقَداتِ والحُقُوقِ والوَاجِبَاتِ رُكْنٌ أَسَاسٌ فِي بِنَاءِ الدَّوْلَةِ، وَلَهُ أَثَرُهُ عَلَى تَرابُطِ العَلاقَاتِ بَيْنَ الأُمَمِ والمُجْتَمَعَاتِ ، فَلِكُلِّ أُمَّةٍ عَقِيدَةٌ وَمَبادِئُ تُقَدِّسُهَا وَتَلْتَزِمُ بِهَا ، وَتَعُدُّهَا أَسْمَى مِنْ غَيْرِها ، وَقَدْ نَهَانَا الإِسْلامُ عَنِ التَّعَرُّضِ بِأَذًى لأصْحَابِ الدِّيَانَاتِ الأخْرَى بِمَا يُسِيءُ لَهُمْ أَوْ لِمُعْتَقَدِهِمْ ؛ لأنَّ الأَدْيَانَ جَاءَتْ لِسَعَادَةِ الإنْسَانِ ، قَالَ تَعَالَى {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .
وأكد د. محمد هلال عامر بديوان عام الوزارة، أن الإسْلامَ أَمَرَ أَتْبَاعَه بِالُمَحافَظَةِ عَلَى حُسْنِ مُعَامَلَةِ غَيْرِ المُسْلِمِينَ وَمُرَاعَاةِ مَشَاعِرِهِمْ حَتَّى فِي مَوْطِنِ الحِوَارِ أو الجَدَلِ ، وَحَثَّهُمْ عَلَى أَنْ تَكُونَ المُجَادَلَةُ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} .
وأوضح الشيخ الدكتور محمد الصغير إسماعيل بديوان عام الوزارة أنَّ لِلْوَطَنِ قِيمَة عَالِيَة وَمَكاَنَة سَامِيَة ، فَحُبُّه والانْتِمَاءُ إِلَيْهِ والدِّفَاعُ عَنْهُ فِطْرَةٌ جُبِلَتْ عَلَيْهَا النَّفْسُ البَشَرِيَّةُ السَّلِيمَةُ ، وَهُو وَاجِبٌ يُؤَصِّلُهُ الدِّينُ الحَنِيفُ ، وَتَفْرِضُهُ الوَطَنِيَّةُ ، وَأَكَّدَتْ عَلَيْهِ جَمِيعُ الشَّرَائِعِ السَّمَاوِيَّةِ ، وَلَقَدْ ضَرَبَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) أَعْظَمَ الأَمْثِلَةِ فِي حُبِّ الوَطَنِ والتَّعَلُّقِ بِهِ والانْتِمَاءِ إِلَيْهِ ، حَيْثُ قَالَ (صلى الله عليه وسلم) عِنْدَ هِجْرَتِهِ مُخَاطِبًا وَطَنَهُ الأَوَّلَ مَكَّةَ المُكَرَّمَةَ: (مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلْدَةٍ وَأَحَبَّكِ إِليَّ ، وَلَوْلا أَنَّ قَوْمَكِ أَخْرَجُونِي مَا خَرَجْتُ) ، وَعِنْدَمَا هَاجَرَ (صلى الله عليه وسلم) إِلَى المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ وَاسْتَوْطَنَ بِهَا ، دَعَا اللهَ (عز وجل) أَنْ يُحَبِّبَ إِلَيْهِ وَطَنَهُ الثَّانِي ، وَأَنْ يُحَقِّقَ فِيهِ الأَمْنَ والاسْتِقْرَارَ ، فَقَالَ (صلى الله عليه وسلم): (اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ).
وأوضح د. إبراهيم محمد محمد إبراهيم بديوان عام الوزارة أنَّ الوطنيةَ الحقيقيةَ لَيستْ مُجردَ شعارات تُرْفع ، أو عباراتٍ تُرددُ ؛ إنَّما الوطنيةُ إيمانٌ وسلوكٌ وعطاءٌ ، الوطنيةُ نظامُ حياةٍ وإحساسٌ بنَبْضِ الوَطنِ والتحَدِّياتِ الّتِي تُواجِهُهُ ، والتألمِ لآلامه ، والفرحِ بتحقيق آماله ، والاستعدادِ الدائمِ للتضحية من أجْلهِ، فهنيئًا لرجالٍ صَدقُوا مَا عَاهدُوا اللهَ عَليهِ ، وضَحَّوا بِأرواحِهم وأنْفُسِهمْ فِي سبيلِ اللهِ دفاعًا عَن أوطانِهم ، ورفعةً لبِلَادِهمْ .
وأكد د. حسين السيد مجاهد حسن الأستاذ بجامعة الأزهر، أنَّ التَّعَايُشَ السِّلْمِيَّ بَيْنَ النَّاسَِ قَاطِبَةً فَرِيضَةٌ دِينِيَّةٌ ، وَضَرُورَةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ يَفْرِضُهَا الوَاقِعُ الَّذي يَعِيشُهُ الإِنْسَانُ ، وَلَنْ يَتَحَقَّقَ ذَلِكَ إِلا إِذَا شَعَرَ الجَمِيعُ بِأَنَّهُمْ أَبْنَاءُ وَطَنٍ وَاحِدٍ ، لَهُمْ نَفْسُ الحُقُوقِ وَعَلَيْهِمْ نَفْسُ الوَاجِبَاتِ ، دُونَ تَفْرِقَةٍ عَلَى أَسَاسٍ دِينِيٍّ أَوْ عِرْقِيٍّ أَوْ غَيْرِهِمَا، قالَ تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة