رفضت جماعة الإخوان المشاركة فى وزارة محمد نجيب الأولى بعد ثورة 23 يوليو 1952، وتم تشكيلها يوم 7 سبتمبر 1952، غير أن الشيخ أحمد حسن الباقورى، عضو مكتب الإرشاد ونائب مؤسس وأول مرشد للجماعة حسن البنا، وافق على أن يكون وزيرا للأوقاف.. «راجع ذات يوم 7 سبتمبر 2019 ».. فمن يكون هذا الشيخ؟ وكيف تصرفت الجماعة معه؟
ولد الباقورى فى قرية «باقور» بمحافظة أسيوط فى 26 مايو عام 1909، حسب كتاب«الباقورى - ثائر تحت العمامة» للكاتبة الصحفية نعم الباز، وهو مجموعة حوارات أجرتها الكاتبة معه، مضيفا أنه التحق بمعهد أسيوط الدينى فى نهاية سنة 1919، وجاء إلى القاهرة عام 1929 للدراسة فى الأزهر.. يؤكد: «جئنا إلى القاهرة يتلقفنا الذين يريدون الاستعانة بالشباب على الجانب السياسى، ونحن كنا مدركين تماما لكل ما يعترى مصر من هموم اجتماعية وسياسية.. كان حزب الوفد هو حزب الأمة بلا ريب.. «الأحرار الدستوريين» كانوا فى واقع الأمر طبقات أرفع من الوفديين.. الحزب الوطنى كان أيضا له اتجاه يتغالى فيه، ويكاد يلحق فى كل مكان ينتمون إليه.. واخترت أن أكون مع الإخوان».
ظل «الباقورى» فى جماعة الإخوان، وأصبح من قيادتها الكبار حتى قامت ثورة 23 يوليو1952، ويذكر كيف بدأت علاقته بها: «العلاقة بدأت حينما كنت أهاجم على ماهر باشا فى مقالات نشرتها فى جريدة الأخبار.. وكان كامل الشناوى يقرأ بلغته الحلوة ونغمتها الجميلة كلماتى، فيطرب لها ويطرب لها الناس، وكانت أول مقالة بعنوان «الأزهر ومنطق الثورة» وكنت أتجول فى تاريخ الأزهر فى تلك المقالة ثم أتبعتها بمقالة ثانية وثالثة».
يتذكر كيف تلقى خبر اختيار الثورة له وزيرا: «بعد نشر مقالاتى ضد على ماهر، وكان هذا بعد قيام الثورة بحوالى شهر، أى فى خلال أغسطس وأوائل سبتمبر، كنت ذاهبا إلى الإذاعة لأسجل حديثا هناك كنت قد أعددته لأهاجم فيه استغلال الفلاحين، وفوجئت بأن دار الإذاعة محاصرة، فقلت للحرس الذين حول الباب: عندى حديث أريد تسجيله ولكن أحدهم قال لى: «أنت حتنصب علينا وتدخل هنا تعمل اللى انت عاوزه، روح ياعم شوف لك حتة تانية بلاش لعب عيال».
انصرف «الباقورى» من الإذاعة، وجلس على مقهى «بار الحرية» فى باب اللوق، انتظارا للقطار للعودة إلى مسكنه فى حلوان، ثم ألغى فكرة العودة وذهب إلى أحد أصدقائه، وأثناء ذلك ذهبت سيارة جيب إلى بيته فلم تجده، وأخيرا عثروا عليه عند صديقه «يوسف حسن عمر» فى القلعة.. كان البحث عنه كى يقابل محمد نجيب الساعة السادسة مساء 7 سبتمبر 1952 بعد اختياره ضمن طاقم الوزارة الجديدة.
أدى «الباقورى» حلف اليمين فى قصر عابدين، ثم خرج متوجها إلى مكتب حسن الهضيبى مرشد الجماعة، ويصف لقاءه به: «صعدت إلى حسن الهضيبى ودققت الباب وفتحوا لى، وإذا بعض الإخوان قد عرفوا، وكانوا قد أرسلوا وفدا للاشتراك فى الوزارة، ولم أكن من هذا الوفد، وإذا بالضباط الأحرار يختارون الشخص الذى ظنوا أنهم سينتفعون به..دخلت إلى الأستاذ الهضيبى وقلت له: «سيدى لقد جئت لك الليلة لأبلغك أننى قبلت الوزارة».
يتذكر منظر باقى أعضاء مكتب الإرشاد وهو يتحدث مع الهضيب»: «بعضهم كان نائما وواضع رجل على رجل، وبعضهم مبوز، وبعضهم كاد يشتمنى، وبعضهم كاد ينهال على ضربا».. يضيف: «قال الهضيبى: يا أخ أحمد، أكتب لنا ورقة تستقيل فيها من الإخوان حتى لا تحمل أوزرانا، ولا نحمل أوزارك».. سألته: «ماذا أكتب؟».. رد: أكتب الذى تكتبه»، فكتبت: «السيد المستشار حسن الهضيبى المرشد العام للإخوان المسلمين سلام عليكم ورحمة الله وبركاته فإننى أرجو أن تقبل استقالتى من مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين».. يتذكر الباقورى: «قاطعنى الهضيبى وقبل أن أوقع: لا مش بس كده؟.. قلت: وماذا تريد إذن؟ قال: أضف إلى الاستقالة هذه الجملة: ومن جميع تشكيلات الإخوان المسلمين فى الشعب والأقاليم»، قلت: حاضر وأضفت هذه الجملة».
أصدرت الجماعة قرار الفصل يوم 8 سبتمبر «مثل هذا اليوم» 1952، وطبقا لبيان مجلس قيادة ثورة 23 يوليو المنشور فى جريدة الأهرام يوم 15 يناير 1954 بمناسبة إصدار قرار حل الجماعة: «فى اليوم التالى صدر قرار من مكتب الإرشاد بفصل «الباقورى» من هيئة الإخوان، فاستدعى جمال عبد الناصر، حسن العشماوى وعاتبه على هذا التصرف الذى يظهر الإخوان بمظهر الممتنع عن تأييد وزارة الرئيس نجيب، وهدد بنشر جميع التفاصيل التى لازمت تشكيل الوزارة، فكان رد «العشماوى» بأن هذا النشر يحدث فرقة فى صفوف الإخوان، ويسىء لموقف المرشد ورجاه عدم النشر.
فصلت الجماعة «الباقورى» من عضويتها، وتعاملت برفضها المشاركة فى وزارة نجيب على أنها فى مبارزة مع الثورة، وتصورت بغرورها أنها تستطيع الإجهاز عليها.