"يمكننا تسميته حلف الأطلسى + الشرق الأوسط".. هكذا قال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مازحا، إبان عرضه لفكرة توسيع عضوية "الناتو"، ليضم دولا من منطقة الشرق الأوسط، فى توجه يعد بمثابة انقلابا على مبادئ التحالف الذى طالما كان رمزا للمعسكر الغربى، والذى تمثله الولايات المتحدة، ودول أوروبا الغربية، منذ تأسيسه، خلال الحرب الباردة، لمجابهة الكتلة الشرقية، بقيادة الاتحاد السوفيتى.
وهو ما يمثل امتدادا صريحا لرؤية واشنطن القائمة على ضرورة تخفيف، أو ربما إنهاء، وجودها العسكرى، فى مناطق التوتر بالعالم، والاعتماد على جيوشها فى تأمينها، بحيث تكون تحت إطار المظلة الغربية، المتمثلة فى "الناتو"، مما يساهم فى تحقيق الهدف الأمريكى المشار إليه، دون الإخلال بمصالح الغرب.
ولعل الربط بين دول المنطقة والناتو ليس جديدا تماما فى الخطاب الدبلوماسى الأمريكى، فى السنوات الماضية، حيث انطلقت من قبل فكرة تأسيس ما يسمى بـ"ناتو عربى" عدة مرات، كان أبرزها خلال مؤتمر وارسو، والذى عقد فى شهر فبراير من العام الماضى، برعاية أمريكية، وذلك لمجابهة النفوذ الإيرانى المتزايد، والذى يمثل تهديدا صريحا لأمن المنطقة، فى ظل ارتباط طهران بالعديد من التنظيمات التى تلعب دورا رئيسيا فى زعزعة استقرار المنطقة، وعلى رأسها جماعة حزب الله فى لبنان والعراق، بالإضافة إلى الميليشيات الحوثية فى اليمن، وغيرها، والتى تمثل أذرع طهران، التى تعمل لتحقيق مصالحها وطموحاتها التوسعية على حساب الأمن والاستقرار فى الدول العربية، إلا أن الفكرة ربما لم تجد دعما كبيرا، ربما لغياب خطة واضحة، بالإضافة إلى الشكوك الكبيرة حول إمكانية نجاح الفكرة.
إلا أن فشل الفكرة ربما كان دافعا لتطويرها من قبل إدارة ترامب، عبر دمج الدول العربية فى التحالف الغربى، بحيث يصبحوا أعضاء فعليين فى "الناتو"، على غرار دول أوروبا الغربية، والولايات المتحدة، وهو ما يطرح تساؤلات عدة حول ما إذا كان الحلف، والذى احتفل فى الشهر الماضى بذكرى تأسيسه الـ70، قد فقد الهدف الذى تأسس من أجله، وبالتالى أصبح فى حاجة إلى أهداف جديدة، أو بالأحرى صراعات جديدة، فى المرحلة المقبلة، حتى يمكنه البقاء، فى ظل التوتر الأخير بين واشنطن وطهران، على خلفية مقتل قاسم سليمانى، بصواريخ أمريكية، أفضت فى المقابل إلى هجوم إيرانى، على القواعد العسكرية الأمريكية فى العراق.
ولكن بعيدا عن إيران، تتجلى المعضلة الأمريكية بوضوح فى رغبة واشنطن الصريحة فى الانسحاب العسكرى من الشرق الأوسط من جانب، مع الاحتفاظ بنفوذها فى المنطقة من جانب أخر، هو الأمر الذى ربما يصعب تحقيقه، فى ظل ظهور موسكو القوى كمنافس قوى للولايات المتحدة، وهو ما بدا فى هيمنتها المطلقة على الأوضاع فى سوريا، على حساب الجانب الأمريكى، حيث نجحت فى فرض كلمتها على الغرب، عبر دعم نظام الرئيس بشار الأسد، ونجاحها المنقطع النظير فى القضاء على تنظيم داعش الإرهابى، بالإضافة إلى قدرتها على كبح جماح القوى الإقليمية الطامحة فى السيطرة على دمشق، وعلى رأسها تركيا وإيران، واللذين توارى دوريهما بصورة كبيرة بفضل موسكو.
مقترح ترامب بتوسيع عضوية "الناتو" فى منطقة الشرق الأوسط، يمثل محاولة أمريكية جديدة لإحياء التحالف، عبر خلق أهداف جديدة له، تتناسب إلى حد كبير مع طبيعة الصراع الدولى الراهن، فى ظل نظام عالمى تتشكل ملامحه، ربما لا تتمتع فيه الولايات المتحدة، بالصدارة المنفردة على قمته، مع صعود قوى دولية، نجحت فى مزاحمتها فى العديد من مناطق نفوذها، سواء روسيا، والتى نجحت أن تجد لها مكانا فى الشرق الأوسط، عبر البوابة السورية، وكذلك فى أوروبا الغربية، عبر ذراعها النفطى، أو الصين، والتى تمثل كابوسا لأحلام الهيمنة الأمريكية على العالم.