فى 19 مارس 2003 غزت الولايات المتحدة الأمريكية، العراق، تحت عدة عناوين، منها «حرب العراق» و«حرب تحرير العراق» و«عملية حرية العراق»، وصدق العراقيون شعارات الزيف والخداع، بأن المارينز الأمريكى جاء مبشرا بجنة الديمقراطية، المستنسخة من مثيلتها فى أوروبا وأمريكا، والتخلص من صدام حسين، ونظامه الديكتاتورى.
وخرج العراقيون، فرحين بالقوات الأمريكية، وإسقاط صدام ونظامه، كما استقبلوا بالورود القادم من فوق الدبابة الأمريكية، أحمد الجلبى، المعنى بتحويل العراق إلى واحة، ينعم فيها الشعب بالحرية والديمقراطية، ورغد العيش، والحياة الكريمة.!!
وقاد الأمريكيون بأنفسهم عمليات تفكيك الجيش العراقى، صاحب الصولات والجولات فى المنطقة، وأحد أضلاع مثلث قوة الأمة العربية، بجانب الجيشين، المصرى والسورى، وحائط الصد أمام أطماع تركيا وإيران على وجه التحديد، كما تم تفكيك كل الأجهزة الأمنية.
ولم يعِ حينها العراقيون، تحت تأثير خمر الشعارات، وسحر الوعود البراقة، أن تفكيك الجيوش والأجهزة الأمنية المستقرة، لا يمكن إعادة تأسيسها بنفس القوة والكفاءة والتماسك، وبالفعل، الجيش العراقى، ومنذ تفكيكه عام 2003 وحتى الآن، لم يعد كما كان، رغم مليارات الدولارات التى أُنفقت لتأسيسه وتسليحه، وأصبح العراق مباحا مقدراته وسيادته، وغير قادر على حماية نفسه، أمام التنظيمات الإرهابية والمسلحة، وأطماع دول الجوار، تركيا، وإيران.
والمحزن، لكل عربى، تتدفق فى شرايينه دماء العروبة الأصيل، أنه يرى المشهد العراقى الدامى، والمفكك، ولم يعد يتحكم فى مفتاح مطبخ صنع قراراته، وأن عواصم أجنبية، تزكى النعرات الطائفية، وتغتال خيرة أبنائه بدم بارد، وتهدر ثرواته، وتنتهك حرمة سيادته على أراضيه..!!
وخلال الأيام القليلة الماضية رأينا كيف تندلع نار الحرب بين دولتين، الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، ويا للعجب، أن الدولتين تتقاتلان على الأراضى العراقية، فى تصفية وقحة للحسابات السياسية، وصراع النفوذ والاستئثار، دون الوضع فى الاعتبار، شعب عريق، يقُتل أبنائه يوميا، وتُسلب ثرواته، وتُنتهك سيادته..!!
الموجع، أن البلد العربى الكبير، ذا الثقل الحضارى العظيم، تستباح أراضيه، وتتحول لميادين معارك بين أمريكا وإيران، عنوة، ودون موافقة صريحة، اللهم سوى رسالة شفهية، للأخطار، ذرًا للرماد فى العيون..!!
نعم، رسالة شفهية من الطرفين المتحاربين، للحكومة العراقية، يخطرانها إنهما سيبدأن المعركة على أراضيها، وكأنها مباراة فى رياضة كرة القدم، وهو ما أكده عادل عبدالمهدى، رئيس الحكومة فى بيان رسمى قال فيه نصا: «بعد منتصف الليل بقليل، من يوم الأربعاء، تلقينا رسالة شفهية من إيران، بأن الرد الإيرانى على اغتيال قاسم سليمانى سيبدأ بعد قليل«.
وأضاف البيان: «الحكومة أُخطرت بأن الضربة ستقتصر على أماكن تواجد الجيش الأمريكى فى العراق، دون أن تحدد مواقعها، وفى نفس الوقت بالضبط، اتصل بنا الجانب الأمريكى وكانت الصواريخ تتساقط على الجناح الخاص بالقوات الأمريكية فى قاعدتى عين الأسد فى الأنبار، وحرير فى أربيل، وفى مواقع أخرى«.
وأشار البيان إلى أنه تم إنذار القيادات العسكرية العراقية لاتخاذ الاحتياطات اللازمة، فور تلقى خبر الهجوم..!!
هكذا صارت سيادة العراق، لعبة فى أيدى عواصم أجنبية تتحكم فيه، تنتهك سيادته، دون رادع أو خوف، ولو كان العراقيون، قد رفضوا تفكيك جيشهم، وباقى اجهزتهم الأمنية، ولمى صدقوا الوعود الزائفة، وأن الشياطين لا تحمل الخير، ما وصل الحال ببلادهم إلى هذا المستنقع..!!
فعلا «العفى محدش يقدر ياكل لقمته!”!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة