لا يخفى على أحد أن وحدة المسلمين تبددت على يد أجداد أردوغان؛ ففي عام ١٩٢٤م أعلن الهالك كمال أتاتورك إنهاء الخلافة الإسلامية التي حكمت العالم الإسلامي كدولة واحدة من بداية عهد الصديق وحتى إسقاطها في تركيا، ومنذ تولى أردوغان حكم تركيا تشير تصرفاته إلى أنه على ما يبدو يحلم باستعادة سلطة أجداده ليحكم العالم الإسلامي من جديد، وربما تراوده أحلام يقظة بتحقيقها يومًا، معلنًا نفسه خليفة للمسلمين وحاكمًا عليهم أجمعين!
وهو نفس الحلم لبعض الجماعات التي تعتنق فكر أردوغان؛ حيث لا وجود لمصطلح الوطنية أو الإقليمية في فكرهم، فهم يقدمون الولاء للجماعة على الولاءات الوطنية، ويقدسون الفرد الذي ينقادون إليه مهما اختلفت تسميته كأمير أو قائد أو مرشد... إلخ، ربما تقديسًا لم يعرف لغير الأنبياء والمرسلين، فما يراه هو الصواب لا غير ولو تصادم مع ثوابت الدين!
ولا يدرك هؤلاء الذين كأنهم يرون في أردوغان سمات القائد الخليفة أن الزمان تجاوز فكرهم، وأن ما تسبب فيه أجداد أردوغان خلَّف واقعًا لا يمكن تجاوزه، وهو أن دولة المسلمين التي تحطمت في تركيا أصبحت دولًا، لكل دولة منها نظامها وحاكمها وثقافتها، وأن واقع الناس وأنظمتهم المعاصرة تجاوز واقع الخلافة التي حكمت المسلمين حتى أسقطها أجداد أردوغان، وأن الخلافة ليست نظام حكم ملزمًا للمسلمين، بل هي اجتهاد من صحابة رسولنا الأكرم – صلى الله عليه وسلم - صلح بها أمر الدين والدنيا وناسبت أزمنة تطبيقها، وليس في شرعنا ما يدل على فرضيتها كنظام حكم لا يجوز غيره، بل نص السابقون من سلفنا على أنها ليست أصلًا من أصول ديننا، مما يعني أن أي نظام يتفق عليه أهل دولة، سواء أكان ملكيًّا أم أميريًّا أم سلطانيًّا أم رئاسيًّا أم برلمانيًّا أو اتحاديًّا... إلخ، تستوعبه شريعتنا ما دام يحقق مصالح الناس ويمكنهم من أداء شعائر دينهم كما يعتقدونها.
أما هذا الواهم، فهو لم يفلح في تحقيق حكم أمثل لبلاده، بل نسمع من آنٍ إلى آخر مشكلة أو أكثر تعاني منها دولته التي يحكمها، ويبدو أن القلاقل التي يثيرها هنا أو هناك هي سبب ذلك، ومنها توفير المأوى الآمن للمتطرفين والإرهابيين على أرض بلاده، وتقديم الدعم لهم ولقنواتهم لتختلق الأكاذيب التي تسعى من خلالها لإضعاف أنظمة الحكم وإسقاط أنظمة قائمة، وخلخلة الأمن في بلاد عاشوا على أرضها وأكلوا من خيراتها قبل أن يتنكروا لها بعد فشلهم في حكمها!
إننا لم نشهد في حياتنا ولم نسمع من آبائنا ولا أجدادنا أن تركيا كانت في عصرها الحديث عزًّا للإسلام ولا سندًا للمسلمين، بل ما عايشناه وعرفناه عنها هو تعاون واتفاقات اقتصادية وعسكرية مع الكيان الصهيوني المعادي للعرب والمسلمين، وإن أظهروا من حين إلى آخر أنهم يناصبونهم العداء من باب التعمية والتدليس على المسلمين؛ حيث تظهر الحقائق بعد ذلك صادمة للعرب والمسلمين بما يعلن عنه من تعاون وصلات مع الصهاينة.
ولعل ما سبق هو احتمال من احتمالات ثلاثة لما يقوم به أردوغان من تصرفات كان آخرها محاولته استغلال الوضع الليبي والتدخل العسكري في شأنه.
والاحتمال الثاني أن يكون قد عهد إليه بقيادة تنفيذ المرحلة الثانية أو خطة بديلة لتنفيذ ما فشلت فيه المرحلة الأولى التي أطلق عليها (ثورات الربيع العربي) والتي لم تجلب لبلادنا خيرًا قط، وإنما راح ضحيتها آلاف مؤلفة من الرجال والنساء والشباب والفتيات والأطفال! والربط بين ما سمي بـ(الربيع العربي) وتصرفات أردوغان، أن العين دائمًا على قلب العرب والمسلمين النابض مصر، وأن الرياح تأتيها من غربها، فشرارة الجولة الأولى انطلقت من تونس على يد البوعزيزي، وعلى ما يبدو فإن أردوغان قرر أن يقترب أكثر ليشعلها من ليبيا، فلم تكن شرارة الجولة الأولى التي أطلقها البوعزيزي في تونس كافية لإحداث أثرها وإسقاط مصر ثم المنطقة بأسرها لتنفيذ خارطة الشرق الأوسط الجديد؛ فقد وصلت ضعيفة إلى القاهرة فلم تحدث الأثر الذي أريد له أن يحدث، وذلك برعاية الله وحفظه لأرض الكنانة؛ حيث فطن لها جيشنا العظيم فامتص صدمتها وأبطل مفعولها بشكل كامل وأوقف زحفها، بعد أن أخذت في طريقها أرواحًا وممتلكات يصعب حصرها، ولكن بقيت الدولة.
ولا يستبعد على أردوغان الذي هو أقرب إلى الصهاينة، أن يكون مستغلًّا لقيادة تنفيذ الخطة البديلة في مقابل حصوله على وعد بتنفيذ حلمه في السيطرة على بلاد العرب والمسلمين بعد نهب خيراتها من قبل من أغروه بالتدخل في الشأن الليبي، فيظن أنه بتدخله في الشأن الليبي ربما يتمكن من موضع على حدودنا الغربية ليكون أقرب منا، خاصة في ظل وجود موضع قدم لفلول جماعة ناصبت وطنها وأهلها العداء، ولا سيما أن كثيرًا منهم يقيم على أرض بلاده هناك حتى يكونوا قريبين من خصمهم وخصمه، وهو كل وطني مصري حر.
وليعلم هذا الواهم أن هذا لن يكون، وأن أحدًا في بلادنا لا ينتظره بورود، بل ببارود رجال قواتنا المسلحة ومن ورائها شعب أبطل الموجة الأولى، وليدرك أن من أبطلوا الأولى سيبطلون الثانية، وأنه سيرتد خائبًا هو وجنوده أو يهلكون قبل استقرارهم على أرض ليبيا واقترابهم من حدودنا.
وهناك احتمال ثالث لسعي أردوغان للتدخل في ليبيا، فهو كغيره من الغزاة يطمعون في نفط ليبيا الكافي لإخراج بلاده من مشكلات داخلية يعاني منها نظامه، ويمكن أن تجتمع الاحتمالات كلها لتقف خلف سعيه هذا.
وأيًّا كان هدف أردوغان، فإن على الأشقاء في ليبيا أن يقطعوا الطريق على من لا يعنيه الشأن الليبي حتى يعرض جيشه لمخاطر الدفاع عنه، وإنما هو مستغل يسعى خلف سراب، متذرعًا بحماية الليبيين، وعينه كغيره من الحاقدين على موضع يتمكنون من خلاله من النيل من مصر واستقرارها، وهو ما يعني السيطرة على المنطقة العربية بأسرها، ولا سيما أنه قد وجهت إليهم ضربة مؤلمة بإفشالها الموجة الأولى التي تحطمت على أرضها.
فإن كان أردوغان مصرًّا على تذكر أجداده، ويريد تصحيح وضع فعلوه، فعليه أن يبادر بالاعتذار للمسلمين عما فعله أجداده بوحدة المسلمين، وعليه أن يقطع صلاته بالصهاينة، ولا سيما في المجال العسكري، وعليه أن يطرد فلول الإرهاب والتطرف من أرض بلاده، وعليه أن يثبت تعاونه ودعمه لبلاد المسلمين واحترامه لأنظمتهم القائمة، وعليه أن يدرك أنه ليس وصيًّا على غير بلاده، فهو حر فيها ما داموا يقبلونه حاكمًا لهم.
وعلى شبابنا ورجالنا ألا ينخدعوا بهذا الزعيم الورقي، فهو ليس فاتحًا، ولكنه نذير شؤم نسأل الله أن يخلصنا من شره، وأن يديم على بلادنا وبلاد العرب والمسلمين الأمن والأمان، وكلنا ثقة في قدرة جيشنا وقيادتنا السياسية على حماية أمننا وسلامة أراضينا. حمى الله مصرنا الحبيبة، وبارك شعبها وقيادتها وشرطتها وجيشها العظيم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة