كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، حريصًا على التواصل مع أصدقائه خلال وجوده بالكلية الحربية والقوات المسلحة للاطمئنان عليهم، ويبدو أن «حسن النشار» كان أكثر الأشخاص قربًا له خلال تلك الفترة، خاصة أن معظم الخطابات والجوابات التى أرسلها الرئيس الراحل كانت موجهة إلى صديقه «حسن».
أول خطاب وجهه عبد الناصر لصديقه «حسن»، كان حريصًا على أن يعرف أسباب عدم إرسال صديقه له أى خطابات، وما هى أسباب تأخره عن إرسال جوابات.
رغم انشغال جمال عبد الناصر بدراسته فى الكلية الحربية، إلا أن هذا الأمر لم يمنعه من أن يسعى لأن يدخل شقيقه الصغير الليثى إلى المدرسة بالمجان، وهذا كان أول طلب من عبد الناصر لصديقه حسن النشار، حيث قال له فى الخطاب الأول «عزيزى حسن.. أهديك سلامى وأرجو أن تكون بخير.. أرسلت لك جوابا من زمان ولكن لم يصلنى الرد إلى الآن. عايز أعرف السبب. أعرفك إن وقتى مشغول جدًا فى هذه الأيام حتى إنى لم أرسل لك ولا لعبد الرؤوف من مدة طويلة.. مسألة نقلى لم يبت فيها إلى الآن، وإن كان «الباشا» قد عرفنى إنها ستتم قريبًا.. أرجو أن تسأل عن عز العرب وتزوده بنصائحك فهو «كسوف» تمامًا.. وقد عرفنى الوالد إنه ذهب إلى المدرسة، ولكنى لا أعرف نصيبه من الصحة، وعز لم يرسل لى ولا جواب، وهو غير مهتم جدًا.. ولم ترسل لى أى معلومات كما اتفقنا على المحطة عندما تركتك، وقد كنت فكرت فى أن آخذ إجازة هذا الأسبوع ولكن أجلتها لشهر رمضان.. وأظن أن هذا أحسن.. عندى موضوع.. وأظنك تعرف له حل.. وهو رغبتى فى إدخال الليسى مجانًا؛ فإنه أخذ مجموعًا أكثر من 70٪، وطبعًا هذا يقلل المصاريف علىَّ أنا على الخصوص، لأن الوالد يظهر مش ناوى يدفع المصاريف أو جزء منها.. لأنه بالرغم من اتفاقى معه على دفع نصف المصاريف وأنا الباقى ابتداءً من أول أغسطس.. فإنه لم يكتف بعدم الدفع، بل أرسل لى فى طلب فلوس.. أرجو أن تهتم بمسألة ليسى وتجاوبنى بصراحة.. هل هذا فى مقدورك حتى أعرفك بمجرد إرسال الطلب.. سلامى للعائلة وأحمد أفندى عارف.. وعرفه إنى باقى فى منقباد حتى ييجى إن شاء الله «إذا لم أنقل» وتقبل سلامى وأشواقى.
الخطاب الثانى الذى وجهه الرئيس الراحل إلى صديقه حسن النشار كان فى عام 1941 أى بعد تخرجه من الكلية وعمله كضابط وكان بالتحديد بعد إرساله إلى جبل الأولياء بالسودان فى يناير 1941، حيث حرص جمال عبد الناصر أن يخبر صديقه بالملاحظات التى دونها خلال فترة عمله، والحياة الصعبة التى يعيشها خلال تلك الفترة، فعبد الناصر كان يعلم أنه وحيدًا خلال تلك الفترة لا يجد من يتحدث معه، فقد غابت الأسرة والأصدقاء، لذلك كان حريصًا على مداومة إرسال الجوابات والخطابات لصديقه.
عبد الناصر خلال هذا الخطاب يشكى أحوال السودان، وكيف كانت أوضاعها سيئة، وأن ارتباطها بمصر أصبح اسمًا فقط، ولعل هذا هو أبرز ما شكل انطباعات الرئيس الراحل عن الدولة الجارة التى كانت ترتبط بمصر حينها كدولة واحدة، وهو ما يؤكد أنه كان مؤمنًا بفكرة انفصال مصر عن السودان قبل قيام ثورة 23 يوليو بسنوات.
ويقول عبد الناصر لصديقه فى ثانى خطاب «إن الحياة الآن تختلف اختلافًا كليًا عما كانت عليه فى الماضى.. وطبعًا فى هذا الاختلاف تأثير على النفس، وعلى الفكرة التى كونتها عن الحياة.. والحقيقة إن كل ما كنت أعتقده فى سنة 1936 وما حولها من الأيام، يتغير تغييرًا مستمرًا، وتثبت لى الأيام أن تفكيرى فى الأيام الماضية كان خطأ.. وأن نظرياتى ونظرياتك أيضًا كانت كلها من بنات الخيال.. وأن الحقيقة الآن تهدم هذا الخيال بالنسبة لى!..تصور كلامى وتعجب يا حسن.. جرى إيه لجمال عبد الناصر؟! ولكن إذا عشت ربع المدة التى عشتها فى هذا الجو لكنت ألعن من ذلك؛ الإخلاص معدوم.. والذمة مفقودة.. والضمير لا تسمع عنه.. حتى إنى أعتقد الآن إنى ابتدأت أفكر فى نظرية؛ إذا كنت أنا الوحيد فى هذه البيئة أعترف بالضمير وأعترف بالذمة، فطبعًا أكون مغبونًا جدًا.. إذ أن كل «البلاوى» ستقع على هذا الذى لا يرضى عن الذمة بديلًا.. فاكر نظريات الإصلاح التى كنا نتباحث فيها زمان.. وندرنا لها 10 سنين!! لقد قدرت لها الآن 1000 سنة، ونكون كسبانين كمان.
جمال عبد الناصر يواصل حكاياته لصديقه قائلًا «طبعًا فى الجو الهايص الذى نعيش فيه.. برضه راح تقول جمال عبد الناصر جرى له إيه؟! ولكن أقول إن هذا الكلام عن خبرة واحتكاك بفئة من الفئات المفروض أنها ترفع بمجد البلاد!.. عندنا فى الخزان نجد مياه الفيضان محجوزة، والنيل يصل إلى مدى البصر فى الاتساع.. المياه زرقاء، والقمر يعكس نوره الفضى.. تصور كل المناظر دى وعليها شوية نسيم عليل كمان.. وبالرغم من ذلك فأنا لا استسيغها، ولا أحس لها طعمًا.. فمثلها كمثل أى صحراء!.. علمًا بأنى لم أكن كذلك من مدة.. فهل مات الشعور؟ أو هل ماتت العاطفة؟ سؤال أسأله لنفسى مرات عديدة، لكننى لا أعرف الجواب.. الحقيقة أن المصريين فى السودان ليس لهم أى حس أو صوت.. سواء فى ذلك الحكومة، أو الأهالى.. إن السودان ما زال إلى الآن مصريًا بالاسم فقط.. حسن.. دى حاجة تسد النفس!
الرئيس الراحل لم يكتف فى خطاباته لصديقه حسن النشار، الحديث عن أحوال السودان الصعبة، بل أيضًا كان يحكى عن الأوضاع الصعبة فى العمل، حيث كانت بداية الرئيس الراحل فى الجيش حينها شاقة، فكان يشكو الأوضاع السيئة التى تعيشها مصر فى تلك الفترة، ويتحدث له عن الأزمة التى حدثت بينه وبين عمه، حيث وصف نفسه خلال تلك الفترة بأنه كتلة من الهموم والآلام، وقال لصديقه فى الخطاب الذى كان فى عام 1941: أكتب إليك الآن وأنا ثائر فى نفسى ثورة داخلية عائلية.. وصلنى جواب من العم شديد اللهجة، يقول إنه كتب لى جوابين فلم يصله الرد، ويتهمنى بأنى كنت أكتب له فقط مدة وجود أشقائى عنده. وقد كان الوقت.. هذا الخطاب مناسب لأن أرد ردًا يقطع علاقتى به وبالعائلة أجمع إذا احتاج الأمر.. فقد كانت أفكارى تدور حول ما جنته هذه العائلة علىَّ، وما قاسيته على يديها.. ولكنى تداركت نفسى.. ورددت عليه بخطاب يؤلمه، ولن يؤنب بعده إلا نفسه على إرساله هذا الخطاب.
ويحاول عبد الناصر تبرير عدم إرساله خطابات لعمه قائلًا لصديقه حسن النشار: «لقد أخبرته أنه يعتقد أن جمال عبد الناصر ممتع، يعيش كما يتصورون عن الضباط.. ليس له مشاغل فى الحياة، خالى البال.. وطبعًا شخص هذه صفاته لابد أن يكون قد أجرم فى التقصير برد خطاب عمه.. وأخيرًا أثبت له أن جمال عبد الناصر عبارة عن كتلة من الهموم والآلام، وقد كان ولا يزال معاهدًا نفسه أن لا يشرك أحدًا معه فى هذه الهموم، وأن جوابه هذا كان سيولد حوادث سيئة العواقب».
ولكنى تداركت نفسى، على العموم يا حسن أنا مش عارف ألاقيها منين ولا منين.. هنا فى عملى كل عيبى إنى دغرى لا أعرف الملق ولا الكلمات الحلوة ولا التمسح بالأذيال. شخص هذه صفاته يحترم من الجميع ولكن.. الرؤساء.. الرؤساء يا حسن يسوؤهم ذلك الذى لا يسبح بحمدهم.. يسوؤهم ذلك الذى لا يتملق إليهم.. فهذه كبرياء، وهم شبوا على المذلة فى كنف الاستعمار.. يقولون: كما كنا يجب أن يكونوا.. كما رأينا يجب أن يروا، والويل كل الويل لذلك المتكبر، كما يقولون، الذى تأبى نفسه السير على منوالهم.. يعاده الجميع، تلامذة العهد القديم، ويحزننى يا حسن أن أقول إن هذه السياسة نجحت نجاحًا باهرًا، فهم يصهرون نفوس الشبان، وكلهم شبان لم تصقلهم الأيام، ويحزننى يا حسن أن أقول إن هذا الجيل الجديد قد أفسده الجيل القديم؛ فأصبح منافقًا متملقًا.. ويحزننى يا حسن أن أقول إننا نسير إلى الهاوية، الرياء، النفاق الملق، تفشى فى الأصاغر.. نتيجة لمعاملة الكبار.. أما أنا فقد صمدت ولازلت.. ولذلك تجدنى فى عداء مستحكم مستمر مع هؤلاء الكبار.. أما إذا فكرت فى المستقبل فلا يمكن أن أقول شيئًا غير «لا حول ولا قوة إلا بالله».
أول خطاب من حسن النشار إلى صديقه جمال جاء فى ذات العام ولكن بعدها بأشهر قليلة وبالتحديد فى سبتمبر 1941، خطاب صديق جمال عبد الناصر تضمن نصائح للرئيس الراحل، ولوم على طريقة حديثة عن عمه خليل، أنه، أى جمال عبد الناصر، مخطئ فى طريقة التعامل مع عمه الذى رباه، وأنه كان عليه أن يتكلم عن عمه بطريقة أفضل من ذلك خاصة أنه، أى جمال عبد الناصر، كبير أسرته ويتحمل مسؤولية أسرته ويحتاج إلى مساعدة من عمه حيث يقول صديقه حسن النشار مخاطبًا الرئيس الراحل: أهنئك أولًا بهذا الشهر العظيم ونرجو الله أن نكون فى العام القادم سويًا وأنت على أحسن حال.. أكتب إليك وأنا فى شدة الجوع وفى شدة التعب لأننى أخرج من الامتحان اليوم فقط، وإننى أعلم أنه يهمك أن تعرف بعض الشىء من هذا الامتحان.. إننى يا جمال استعملت كل الوسائل حتى أصل إلى النجاح، ولكن الله وحده هو الذى يدبر ونحن نفكر فيما لا يجدى فيه التفكير.. فى الأسبوع المقبل سوف يتقرر مصيرى حيث يتوقف على الليسانس كل شىء فى مستقبل حياتى.. وبمشيئة الله سوف تعلم هذه النتيجة فى الخطاب المقبل.. كتبت لك رسالة صغيرة قبيل دخولى الامتحان ووعدتك على أن أكتب إليك بمجرد انتهائى منه.
أعود ثانية لأكرر لك أنك مخطئ فى الكتابة إلى عمك بهذا الأسلوب الذى ذكرته فى خطابك لى.. أنت يا جمال وحيد فى هذه الدنيا ليس هناك من يهتم بك، ولكن لا يكون ذلك سببًا فى أن تثور على أهلك الذين تخلوا عنك فيما مضى فى أيام كنت أحوج فيها إلى مساعدة إنسان.. لا تثور عليهم بل كن كريمًا كما هى عادتك وكما هى أخلاقك، وانس الماضى بالنسبة إليهم وبالنسبة إلى إساءاتهم إليك؛ فهم على كل حال ومهما كان الأمر أهلك ودمك وعشيرتك.. تحمل كل شىء من أجلهم حتى إذا أساءوا إليك، إذا لم يكن من أجل أنهم أهلك فلأن عندهم أخوتك الصغار الذين ليس لهم غيرك يحنو عليهم ويبر بهم.. أنت رجل والرجال دائمًا يعفون ويتحملون بدون تململ. إننى أعلم تمامًا لأننى أقرب الناس إليك ما قاسيته يا جمال على يدى كل أسرتك كما تقول أنت، ولكن كما قلت لك العفو عند المقدرة.
ويضيف صديقه فى أول خطاب له إلى جمال عبد الناصر «أنت تعيش فى عالم غير هذا العالم الذى يعيش فيه شبان اليوم وضباط هذا العصر، فلا تكن مثلهم إذا أساء إليهم إنسان أساءوا إليه.. لا يصدق إنسان أن هذه الحياة التى تحياها، حياة التصوف وحياة الزهد، موجودة الآن بين أحد الشبان.. فاتركهم يفكروا ما شاء لهم التفكير المضلل، ولا يكن ذلك أنك تسايرهم فى شهواتهم وفى انحطاطهم.. حقًا يا جمال أن عيبك هو أنك رجل ولكن عيب مطلوب فى هذه الأيام، ويجب أن يسود وكان يجب أن يكون الجيش هو مجاله، ولكن للأسف ليس الأمر كذلك».
أنت يا جمال لم تخلق للجيش بل خلقت لأن تكون حرًا أنت رئيس نفسك، ولا تأتمر إلا لضميرك ولعقلك. وكانت فيك المميزات لأن تنجح فى الحياة على هذه الوتيرة.. وفى الواقع أنك أشبعت وحققت أو كدت أن تحقق شيئًا مما ترجوه. ليس فتحى رضوان ولا حمادة الناحل بأحسن منك، بل أنت تمتاز عليهم بالرجولة الصادقة.. إنهما وأمثالهما الآن يا جمال قد نجحوا فى الحياة ولا يقل دخل الواحد منهم عن 40 جنيهًا شهريًا؛ فأشبعوا رغبتهم وعاشوا أحرارًا.
هذه الحياة كانت أوجب لك منهم، ولكن هكذا مشيئة الله وإرادته.. ولا مُعقب على هذه الإرادة وهذه المشيئة.. فيجب إذن أن نواجه الأمر ونتدبر المستقبل بالحذر والحكمة والعقل.. لم يكن لك دخل فى التحاقك بالحربية، بل كانت الظروف وحدها هى التى أجبرتك على ذلك، أو هى العاطفة التى تملكتك لتندفع وراء النظام فوجدت الفوضى.. فلا سبيل إلى الإصلاح بمفردك، بل الأيام والظروف سوف تصلح كل شىء.. وتتحقق تلك الآمال التى يرجوها أمثالك.. قلت أما وقد أصبحنا أمام الأمر الواقع فيجب أن نتدبر المستقبل بالحذر والعقل.. وخاصة ما تشكوه من أخلاق الرؤساء ومسايرة الشبان لهم.. ليس هذا يا جمال فى الجيش فقط بل فى كل مصلحة فيها رئيس ومرؤوس.. ما عليك يا جمال إذن إلا أن ترضيهم لا بالخضوع وإذلال نفسك، بل يكون إرضاؤك لهم بالبُعد عنهم إلا ما استدعى واجب العمل الاتصال بهم.. وكن وحيدًا بعيدًا عن كل إنسان.. إنما تقرّب ممن هم تحت إمرتك ولا تضايقهم كما يفعل «الآخرون»؛ لأنك غير هؤلاء «الآخرين» من سمو فى الأخلاق وعلو فى النفس، لا عجرفة ولا غرور.. كل ذلك حتى تستطيع أن تقضى هذه الأيام على أى حال، فتمر بسلام وهدوء لا يشعر بوجودك أحد؛ حتى يقضى الله بعد ذلك أمرًا كان مقضيًا.. لا تصطدم بأحد وكن معقولًا فى عملك كما هى عادتك.. فأنت يا جمال لازلت فى مقتبل شبابك فاصبر على ما يسوءك.. فاليوم إساءة وغدًا يعوضك الله على هذا الصبر.
ويتابع «أخيرًا يا جمال أتمنى أن تهدأ ثورتك وتطيب نفسك إلى الخير كما هو أمرك دائمًا.. ونرجو الله أن يوفقك فى كل خطواتك. علمت من مصدر خاص بنجاح شقيقى سعد فى التوجيهية وإن شاء الله سيلتحق بالآداب.. ولم أعلم شيئًا عن نتيجة عز والليثى وشوقى. حصل فى القاهرة غارة شديدة ضربت فيها العباسية والظاهر والسكاكينى ضربًا شديدًا.. والله يحفظكم ويحفظنا شر المصائب والشدائد والله على كل شىء قدير. لم أر عبد الرؤوف منذ مدة طويلة، ولن أذهب إليه إلا بعد ظهور النتيجة وهى بعد أيام.. أنت يا جمال فى السودان وحيد وأنا فى مصر وحيد، ولو أن هذا قياس مع الفارق إلا أننى أيضًا لا أجد هنا صديقًا أستطيع أن أسرّ إليه بسر أو أئتمنه على أمر خاص، فلا أجد من هو محبب إلى نفسى أو أجد فيه ذرة من معانى الصداقة، والله وحده مصلح الأحوال.. وأخيرًا سلام الأسرة جميعًا وشوقنا لرؤيتك والسلام عليكم ورحمة الله».
آخر خطابات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لصديقه حسن النشار فى تلك الفترة، كانت فى فبراير 1942، وبالتحديد بعد أيام قليلة من حادث 4 فبراير، كان خطابًا ليس شخصيًا بل خطابًا وطنيًا سياسيًا يحكى فيه لصديقه كيف تأثر بهذا الحادث ووجد أن سيادة بلاده تنهار أمام الاحتلال البريطانى الذى أجبر الملك فاروق حينها أن يعين الحكومة التى يريدها الاحتلال، ويحكى عبد الناصر خلال هذا الخطاب كيف أثرت تلك الواقعة الأليمة على نفوس الضباط زملائه فى منطقة العلمين، حيث كان يخدم هناك حينها، ويقول لصديقه فى الخطاب: أهديك سلامى وأشواقى. وصلنى جوابك والحقيقة إن ما به جعلنى أغلى غليانًا مرًا وكنت على وشك الانفجار من الغيظ، ولكن ما العمل بعد أن وقعت الواقعة وقبلناها مستسلمين خاضعين خانعين.
والحقيقة أنى أعتقد أن الإنجليز كانوا يلعبون بورقة واحدة فى يدهم بغرض التهديد فقط، ولكن لو كانوا أحسوا أن بعض المصريين ينوون التضحية بدمائهم ويقابلون القوة بالقوة؛ لانسحبوا كأى امرأة من العاهرات.. وطبعًا هذا حالهم أو تلك عادتهم.. أما نحن.. أما الجيش فقد كان لهذا الحادث تأثير.. على الروح والإحساس فيه.. فبعد أن كان معظم الضباط لا يتكلمون إلا عن النساء واللهو أصبحوا يتكلمون عن التضحية والاستعداد لبذل النفوس فى سبيل الكرامة، وأصبحت تراهم وكلهم ندم لأنهم لم يتدخلوا، مع ضعفهم الظاهر، يردون للبلاد كرامتها ويغسلونها بالدماء.. ولكن إن غدًا لقريب.
حاول البعض بعد الحادث أن يعملوا شيئًا لغرض الانتقام، ولكن كان الوقت قد فات.. أما القلوب فكلها نار وأسى. عمومًا فإن هذه الحركة أو هذه الطعنة ردت الروح إلى بعض الأجساد، وعرفتهم أن هناك كرامة يجب أن يستعدوا للدفاع عنها.. وكان هذا درس ولكنه كان درسًا قاسيًا.. أما الترقى فليس له أى أساس وكل ما حصل كان نجاحًا فى امتحان للترقى، وهذا الامتحان ليس له فائدة ولكن له مضار وهى عدم ترقية من لا ينجح فيه، أما الناجحون فيرقوا فى دورهم.. سنكون بمصر يوم 5 / 3 إن شاء الله وسلامى للجميع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة