"كلمة السر أمريكا".. عنوان يبدو مناسبا لما تشهده بريطانيا فى المرحلة الراهنة، بين قضية الخروج من الاتحاد الأوروبى "بريكست"، والتى كان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بمثابة القوة الدافعة لها، باعتباره أحد أكبر مناوئى أوروبا الموحدة، من جانب، والانشقاق الأخير للأمير هارى عن الأسرة المالكة، والذى كانت زوجته (الأمريكية) ميجان ماركل الدافع وراءه، فيما يمكننا تسميته بـ"هاريكست" من جانب آخر، فى تزامن يبدو ملفتا، خاصة وأن قرار الخروج البريطانى سيدخل حيز النفاذ فى أواخر الشهر الجارى، بعد سنوات من الصراع، سواء فى الداخل البريطانى، بين مؤيدى "بريكست"، ومعارضيه، والذى أفضى إلى سقوط حكومتى ديفيد كاميرون وتيريزا ماى، فى غضون سنوات قليلة، أو بين الحكومة البريطانية وقيادات الاتحاد الأوروبى حول الاتفاق على آلية الخروج وتداعياته.
فعلى الرغم من الاختلافات الكبيرة بين الطبيعة السياسية لـ"بريكست"، والعائلية لـ"هاريكست"، تبقى هناك العديد من المشتركات، حيث يطغى الجانب السياسى على الأخيرة، ربما فى ظل الوضع الذى تحظى به الأسرة البريطانية المالكة، من مكانة اجتماعية، وسياسية، بالإضافة إلى التطورات الأخيرة فى الداخل البريطانى، والتى أجبرت الملكة إليزابيث على الدخول، على استحياء، على خط أزمة الخروج من الاتحاد الأوروبى، عبر استصدار قرار بوقف أعمال البرلمان، وهو القرار الذى تم تقويضه بعد ذلك بقرار قضائى أصدرته، المحكمة العليا فى لندن، فى خطوة اعتبرها قطاع كبير من المحللين بمثابة ورطة كبيرة للملكة، بسبب محاولات رئيس الوزراء بوريس جونسون لوضعها فى قلب الحدث.
بين "هاريكست" و"بريكست".. اجتماع أزمة وفترة انتقالية
خطورة "هاريكست" تجلى بوضوح فى تعامل الأسرة المالكة، والتى دعت إلى ما أسمته بـ"اجتماع أزمة"، بحضور الملكة إليزابيث، وأبرز أعضائها، وعلى رأسهم ولى العهد، الأمير تشارلز، والأمير وليام، بالإضافة إلى أطراف القرار المثير للجدل "هارى وميجان"، وإن كان حضور الأخيرة جاء عبر الهاتف من كندا، لينتهى الأمر، على ما يبدو، بالفشل الذريع فى إثناء الزوجين عن القرار، وهو ما حاولت إليزابيث التغطية عليه عبر الإعلان عما أسمته "فترة انتقالية"، ليقضى فيها الزوجين وقتهما بين منزلهما فى كندا، وقصرهما فى بريطانيا، بانتظار المزيد من القرارات فى هذا الشأن فى الأيام المقبلة.
الملكة إليزابيث مع هارى وميجان
ولعل التعامل الملكى مع "هاريكست" يتشابه إلى حد كبير مع النهج الأوروبى تجاه "بريكست"، خاصة فيما يتعلق بمسألة "الفترة الانتقالية"، والتى تعد بمثابة دربا من المماطلة، أو على الأقل تأجيل الإعلان عن الهزيمة، فى معركة ربما تبدو تحتاج إلى "نفس طويل"، حيث يمكن أن يراجع أطراف الأزمة مواقفهم، عبر حوار محتمل، وبالتالى يبقى هناك أملا فى التراجع عن المواقف المعلنة، وهو الأمر الذى فشل أولا مع أوروبا، حيث لم تنجح المحاولات الأوروبية فى إثناء البريطانيين عن قرار الطلاق من الاتحاد الأوروبى، سواء عبر الوصول إلى الالتفاف على "بريكست" عبر الاتفاقات التى عقدها قادة الاتحاد مع رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماى، أو إثارة المخاوف الاقتصادية حول مرحلة ما بعد "بريكست".
زخم حول "هاريكست".. واشنطن تنال من كرامة إليزابيث
وعلى الرغم من أن الأسرة المالكة ليس لها دورا كبيرا فى السياسة، على اعتبار أن السلطة تبقى فى يد رئيس الوزراء البريطانى، إلا ان قضية "هاريكست"، تحظى بزخم سياسى كبير، وهو ما بدا فى التعليقات التى أدلى بها عددا من الساسة، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، والذى أعرب عن حزنه العميق لما آلت له الأمور مؤخرا، مؤكدا أن الملكة إليزابيث لا تستحق أن ترى مثل هذه التطورات، فى إشارة إلى امتعاضه من القرار، على الرغم من أنه أبى التعليق على القرار نفسه، فى الوقت الذى سار فيه رئيس حزب "بريكست" نايجل فاراج، والذى يعد أبرز حلفاء ترامب فى بريطانيا، على نفس الدرب، ليهاجم هارى وميجان، معتبرا أن موقفهما لا ينم عن الاحترام للملكة.
ترامب انتهك البروتوكول مع الملكة
وهنا تبدو محاولة صريحة للنيل من كرامة ملكة بريطانيا العظمى، من قبل الولايات المتحدة، فى ظل تطورات عائلية، تبدو غير قادرة على التعامل معها، وهو الأمر الذى لا يعد جديدا بأى حال من الأحوال، حيث أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب دأب على إهانة إليزابيث عدة مرات، سواء بإصراره على لقائها فى أول زيارة له إلى لندن، رغم أن تلك الزيارة لم تكن زيارة دولة، حيث اعتبر أن رئيس أمريكا لا يمكن أن يزور أى دولة دون أن يلتقى أكبر مسئوليها، بينما تأخر فى الوصول عن القصر خلال تلك الزيارة، لتقف الملكة بانتظاره لعدة دقائق، بالإضافة إلى انتهاكات بروتوكولية أخرى، سواء فى تلك الزيارة أو الزيارات الأخرى التى تلتها.
خصومة شخصية.. بقاء ميجان فى القصر لا يروق لترامب
علاقة الرئيس الأمريكى بالأسرة المالكة فى بريطانيا، ربما لا تبدو على ما يرام، على عكس ما يحاول إظهاره دائما، لأسباب شخصية، بعيدة تماما عن الحسابات السياسية، خاصة فى ظل وجود ميجان ماركل بين أفرادها، حيث أنها سبق لها وأن هاجمت ترامب، خلال حملته الانتخابية الأولى فى 2016، حيث أعربت عن دعمها لغريمته آنذاك هيلارى كلينتون، كما أنها غابت عن لقائه فى الزيارات المتواترة التى قام بها إلى قصر باكنجهام، بينما كشف أصدقاء لها عن نيتها والأمير هارى الانتقال إلى العيش بالولايات المتحدة، وتحديدا فى مدينة لوس أنجلوس، التى نشأت فيها، ولكن ذلك لن يحدث طالما أن ترامب مازال فى البيت الأبيض.
يبدو أن خروج ميجان ماركل من الأسرة المالكة فى قصر باكينجهام، يعد بمثابة خبر سعيد للرئيس الأمريكى، الذى لا يرغب أن يرى خصومه، فى الوقت الذى لا ينسى فيه الإساءة، حيث أنه يمثل فرصة قوية لتحقيق قدرا أكبر من التقارب مع الأسرة المالكة فى المرحلة المقبلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة