يحكي أن :
في عام 1950 قد تم إنتاج فيلم سينمائي من بطولة فريد الأطرش و سامية جمال باسم ( آخر كدبة )،
و كانت ضمن أغنيات هذا الفيلم الغنائي الإستعراضي الخفيف أغنية بعنوان
( يا عوازل فلفلوا ) ، و التي اعترضت عليها الإذاعة المصرية آنذاك و رفضت إذاعتها لما تحتوي عليه من عبارات هابطة لا تليق
( فلفلوا) و التي تحمل معني إتغاظوا !!!
و يقال أن النحاس باشا رئيس وزراء مصر وقتها و زعيم حزب الوفد عندما قابل فريد الأطرش بإحدي الندوات الثقافية قام بتوبيخه و تذكيره بواجب الفنان في الحفاظ علي الذوق العام و الإرتقاء به !
و بهذه القصة القصيرة ما فيه الكفاية لنتأمل و ندرك جيداً أين كنا و إين نحن الآن !
فالمنحني بحق شديد الإنحدار ، و التطور الطبيعي للزمن الذي بات سريعاً جداً بفعل التقدم العلمي و التطور التكنولوجي بكل أسف بات فقط للأسوء .
هل نحلم بالإقتراب حتي من مثل هذا المستوي الراقي الذي كنا عليه في كافة المجالات و علي كل المستويات بداية من الذوق و الأخلاق و الدين و التعليم و الفنون و الآداب و الثقافة و الإعلام ؟
أعلم جيداً أن الهوة شديدة الإتساع و طرق العودة قد تم إغلاقها بأقفال حديدية لا يمتلك مفاتيحها إلا هؤلاء الذين يسعدهم بقاء الحال علي ما هو عليه !
و أن هناك أجيال من الضحايا الذين شبوا علي مجتمع و ثقافة و شكل و مضمون غير الذي كان ، فلم يجدوا بالمدارس التعليم و لا التهذيب و لم يجدوا بالبيوت التربية السليمة فقد عجزت الكثير من الأسر عن حماية أولادهم من مستجدات العصر بكل سلبياتها التي باتت أقوي بكثير من قدرتهم علي مواجهتها ،
فاستسلم الكثيرون و انزلقت أقدامهم و انخفضت رؤوسهم للأمواج العالية ، و من لم يستسلم و كان لديه من الإصرار ما يؤهله للتصدي إلي هذا الطوفان المستحدث الذي أطاح بكافة أشكال القيم و الأخلاقيات ،
ربما يعجز عن حماية أهله ، و غالباً ما يتحول إلي غريب بعالم مستغرب لم يعهده من قبل و لم يستطع التعايش معه !
أما الفنون بكافة أشكالها :
و التي لها الأثر الأكبر في الارتقاء بالنفس و تهذيبها و تطهيرها من أدرانها من خلال تلك الشحنات الفنية الصادقة القوية التي يستقبلها المتذوق لأي عمل فني راقي ،
للأسف لم يعد لها وجود بعدما تصدرت الرداءة و الركاكة عناوين غالبية الأعمال الفنية و تحول هذا التأثير الإيجابي إلي آخر شديد السلبية و الخطورة !
فهؤلاء الذين يشعرون بالغربة بديارهم عادة ما يبحثون عن القيمة المفقودة بذكريات الماضي ، فنجد مثلاً أعمالاً فنية قد مرت عليها عشرات السنوات و ربما حفظ المشاهد جمل مشاهدها نظراً لتكرار المشاهدة ،
و مع ذلك يبحث عنها بين القنوات التي باتت لا حصر لها لمتابعتها من جديد و اكترار ذكريات هذا الماضي السعيد بكل قيمه و قيمته و شحناته التي تعتمل بالنفس بعد مرور السنوات دون أن يضعف تأثيرها .
في حين نجد مئات الأعمال الفنية الحالية و التي ربما يتابع الجمهور بعضها في عرضه الأول أملاً في مفاجأة قد تكون سارة و بحثاً عن قيمة غائبة ، لكن سرعان ما تتطاير أحداث هذا العمل سواء كان مسلسل او فيلم أو أغنية بعد الإنتهاء منه دون بقاء أي أثر من أي نوع بالنفس ،
و عادة لا يعاود المتلقي مشاهدة أو سماع هذا المنتج إذا ما تمت إعادته ، لأنه أشبه بالنكتة المحروقة !
و ما زالت الأزمة مستمرة و المحاولات غير مجدية ، و لن يكون هناك طريقاً للإصلاح إلا بتعمد العمل علي استعادة قيمنا و انتمائنا و ديننا و خلقنا ووطنيتنا من خلال هذه الأعمال الفنية لتعود مجدداً ذات هدف إن أصاب ففي إصابته فوز كبير .