لا تتفق الكتب المقدسة وكتب التاريخ والمعالم الأثرية طوال الوقت، قد تختلف الأمور قليلا أو كثيرا، ومؤخرا أثار الكاتب العراقى فاضل الربيعى أزمة بعد تصريحات قال فيها إنه لا توجد أدلة على قيام أبرهة الحبشى بغزو الكعبة وفقا لما تم تناقله تاريخيا، مؤكدا أنه لا توجد أية أدلة أو وثائق تشير الى غزو أبرهة الحبشى للكعبة.
وقال فاضل الربيعى فى مقابلة على إذاعة مونت كارلو "الزعم أن أبرهة الحبشى غزا مكة، لا أصل له لأنه طبقا للنقوش التى تركها أبرهة الحبشى فى اليمن بما فى ذلك النقوش التى تركها على سد مأرب وبقايا سد مأرب، الحبشى كان رجلا مسيحيا وهو يكتب نقوشه بالخط المسند اليمنى على جدران وبقايا سد مأرب كتب: بسم الرب المسيح أو بسم المسيح الرب..".
من هو أبرهة الحبشى؟
نعرف قصة الفيل من السورة القرآنية وفيها "ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل" لكن القرآن الكريم لم يقل لنا إن أبرهة الحبشى كان هو قائد أصحاب الفيل، أما كتب السير فقد ذكرت ذلك فى السيرة النبوية كما ذكرته كتب التفاسير ومنها تفسير ابن كثير الذى يقول فيها "تقدم فى قصة أصحاب الأخدود أن ذا نواس، وكان آخر ملوك حمير وكان مشركا، هو الذى قتل أصحاب الأخدود، وكانوا نصارى، وكانوا قريبا من عشرين ألفا، فلم يفلت منهم إلا دوس ذو ثعلبان، فذهب فاستغاث بقيصر ملك الشام، وكان نصرانيا، فكتب له إلى النجاشى ملك الحبشة، لكونه أقرب إليهم، فبعث معه أميرين: أرياط وأبرهة بن الصباح أبا يكسوم فى جيش كثيف، فدخلوا اليمن فجاسوا خلال الديار، واستلبوا الملك من حمير، وهلك ذو نواس غريقا فى البحر.
واستقل الحبشى بملك اليمن وعليهم هذان الأميران: أرياط وأبرهة فاختلفا فى أمرهما وتصاولا وتقاتلا وتصافا، فقال أحدهما للآخر: إنه لا حاجة بنا إلى اصطدام الجيشين بيننا، ولكن أبرز إلى وأبرز إليك، فأينا قتل الآخر استقل بعده بالملك، فأجابه إلى ذلك فتبارزا، وخلف كل واحد منهما قناة، فحمل أرياط على أبرهة فضربه بالسيف، فشرم أنفه وفمه وشق وجهه، وحمل عتودة مولى أبرهة على أرياط فقتله، ورجع أبرهة جريحا، فداوى جرحه فبرأ، واستقل بتدبير جيش الحبشة باليمن، فكتب إليه النجاشى يلومه على ما كان منه، ويتوعده ويحلف ليطأن بلاده ويجزن ناصيته، فأرسل إليه أبرهة يترقق له ويصانعه، وبعث مع رسوله بهدايا وتحف، وبجراب فيها من تراب اليمن، وجز ناصيته فأرسلها معه، ويقول فى كتابه: ليطأ الملك على هذا الجراب فيبر قسمه وهذه ناصيتى قد بعثت بها إليك، فلما وصل ذلك إليه أعجبه منه، ورضى عنه، وأقره على عمله.
وأرسل أبرهة يقول للنجاشى، إنى سأبنى لك كنيسة بأرض اليمن لم يبن قبلها مثلها، فشرع فى بناء كنيسة هائلة بصنعاء رفيعة البناء، عالية الفناء، مزخرفة الأرجاء، سمتها العرب القليس، لارتفاعها، لأن الناظر إليها تكاد تسقط قلنسوته عن رأسه من ارتفاع بنائها، وعزم أبرهة الأشرم على أن يصرف حج العرب إليها كما يحج إلى الكعبة بمكة، ونادى بذلك فى مملكته، فكرهت العرب العدنانية والقحطانية ذلك، وغضبت قريش لذلك غضبا شديدا، حتى قصدها بعضهم، وتوصل إلى أن دخلها ليلا، فأحدث فيها وكر راجعا، فلما رأى السدنة ذلك الحدث، رفعوا أمرهم إلى ملكهم أبرهة وقالوا له، إنما صنع هذا بعض قريش غضبا لبيتهم الذى ضاهيت هذا به، فأقسم أبرهة ليسيرن إلى بيت مكة، وليخربنه حجرا حجرا.
فتأهب أبرهة لذلك، وصار فى جيش كثيف عرمرم، لئلا يصده أحد عنه، واستصحب معه فيلا عظيما كبير الجثة لم ير مثله، يقال له، محمود، وكان قد بعثه إليه النجاشى ملك الحبشة لذلك، ويقال: كان معه أيضا ثمانية أفيال، وقيل: اثنا عشر فيلا، وقيل غيره، والله أعلم .
يعنى ليهدم به الكعبة بأن يجعل السلاسل فى الأركان، وتوضع فى عنق الفيل، ثم يزجر ليلقى الحائط جملة واحدة، فلما سمعت العرب بمسيره أعظموا ذلك جدا، ورأوا أن حقا عليهم المحاجبة دون البيت، ورد من أراده بكيد، فخرج إليه رجل من أشراف أهل اليمن وملوكهم، يقال له "ذو نفر" فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة وجهاده عن بيت الله، وما يريد من هدمه وخرابه، فأجابوه وقاتلوا أبرهة فهزمهم لما يريده الله عز وجل من كرامة البيت وتعظيمه، وأسر "ذو نفر" فاستصحبه معه، ثم مضى لوجهه حتى إذا كان بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب الخشعمى فى قومه: شهران وناهس فقاتلوه، فهزمهم أبرهة، وأسر نفيل بن حبيب، فأراد قتله ثم عفا عنه، واستصحبه معه ليدله فى بلاد الحجاز، فلما اقترب من أرض الطائف خرج إليه أهلها ثقيف وصانعوه خيفة على بيتهم، الذى عندهم، الذى يسمونه اللات، فأكرمهم وبعثوا معه "أبا رغال" دليلا، فلما انتهى أبرهة إلى المغمس - وهو قريب من مكة - نزل به وأغار جيشه على سرح أهل مكة من الإبل وغيرها، فأخذوه، وكان فى السرح مائتا بعير لعبد المطلب، وكان الذى أغار على السرح بأمر أبرهة أمير المقدمة، وكان يقال له "الأسود بن مفصود " فهجاه بعض العرب - فيما ذكره ابن إسحاق - وبعث أبرهة حناطة الحميرى إلى مكة، وأمره أن يأتيه بأشرف قريش، وأن يخبره أن الملك لم يجئ لقتالكم إلا أن تصدوه عن البيت . فجاء حناطة فدل على عبد المطلب بن هاشم، وبلغه عن أبرهة ما قال، فقال له عبد المطلب: والله ما نريد حربه، وما لنا بذلك من طاقة، هذا بيت الله الحرام، وبيت خليله إبراهيم فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه، وإن يخلى بينه وبينه، فوالله ما عندنا دفع عنه. فقال له حناطة: فاذهب معى إليه . فذهب معه، فلما رآه أبرهة أجله، وكان عبد المطلب رجلا جميلا حسن المنظر، ونزل أبرهة عن سريره، وجلس معه على البساط، وقال لترجمانه : قل له : حاجتك ؟ فقال للترجمان : إن حاجتى أن يرد على الملك مائتى بعير أصابها لى. فقال أبرهة لترجمانه : قل له: لقد كنت أعجبتنى حين رأيتك، ثم قد زهدت فيك حين كلمتنى، أتكلمنى فى مائتى بعير أصبتها لك، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه، لا تكلمنى فيه؟! فقال له عبد المطلب : إنى أنا رب الإبل، وإن للبيت ربا سيمنعه. قال: ما كان ليمتنع منى! قال: أنت وذاك .
ويقال: إنه ذهب مع عبد المطلب جماعة من أشراف العرب فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة على أن يرجع عن البيت، فأبى عليهم، ورد أبرهة على عبد المطلب إبله، ورجع عبد المطلب إلى قريش فأمرهم بالخروج من مكة والتحصن فى رءوس الجبال، تخوفا عليهم من معرة الجيش. ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة، وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجنده، وقال عبد المطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة :
لاهم إن المرء يمنع رحله فامنع حلالك لا يغلبن صليبهم ومحالهم غدوا محالك
قال ابن إسحاق : ثم أرسل عبد المطلب حلقة الباب، ثم خرجوا إلى رءوس الجبال .
وذكر مقاتل بن سليمان أنهم تركوا عند البيت مائة بدنة مقلدة، لعل بعض الجيش ينال منها شيئا بغير حق، فينتقم الله منه .
فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة وهيأ فيله وعبأ جيشه، فلما وجهوا الفيل نحو مكة أقبل نفيل بن حبيب حتى قام إلى جنبه ثم أخذ بأذنه وقال "ابرك محمود وارجع راشدا من حيث جئت، فإنك فى بلد الله الحرام"، ثم أرسل أذنه، فبرك الفيل، وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد فى الجبل، وضربوا الفيل ليقوم فأبى، فضربوا فى رأسه بالطبرزين وأدخلوا محاجن لهم فى مراقه فبزغوه بها ليقوم، فأبى فوجهوه راجعا إلى اليمن فقام يهرول، ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك ووجهوه إلى مكة فبرك.
المنكرون لـ غزو أبرهة الحبشى لـ مكة
أما المنكرون لـ غزو أبرهة الحبشى إلى مكة، فإنهم يعتمدون على الآثار، ومن ذلك ما قامت به بعثة "بعثة ركمانز" فى عام 1951 حيث عثرت على نقش فى منطقة تثليث الواقعة فى جنوب غرب المملكة، والموجود فى النقش ذكره المؤرخ الأميركى فرانسيس إدوارد بيتر فى كتابه "محمد وأصل الإسلام" وفيه حسبما ذكر تقرير صحفى للكاتب محمد يسرى فى رصيف 22، "بقوة الرحمن ومسيحه، الملك أبرهة، زبيمان، ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت واليمامة، والقبائل العربية فى المرتفعات والسواحل، كتب هذا النقش عندما غزا قبيلة معد... عندما ثارت كل قبائل بنى عامر، وعين الملك القائد أبى جبر... وحضروا أمام الجيش ضد بنى عامر...، وذبحوا وأسروا وغنموا بوفرة، ورجع أبرهة بقوة الرحمن فى شهر ذو علان فى السنة الثانية والستين وستمائة" حيث أكد النقش على عودة أبرهة سالماً من حملته، كما أن أسماء القبائل والمدن المذكورة فى النقش، لم تتضمن قريش أو مكة على الإطلاق، وبالإضافة إلى كل ذلك، فإن النقش قد حدد توقيت الحملة بعام 662 من التقويم السبئي، والذى يناظر سنة 552 من التقويم الميلادي، وهو ما يسبق عام 570م، الذى يُعتقد بأنه قد شهد هجوم الفيل على مكة، بثمانية عشر عاماً كاملة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة