مع اقتراب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، فى وقت لاحق من الشهر الجارى، تبدو ثمة أفاق أوسع لحكومة بوريس جونسون للتحرك باستقلالية عن سياسات أوروبا الموحدة، التى طالما أعاقت دول القارة العجوز عن تحقيق مصالحها، مما أدى إلى خفوت الدور الذى تحظى بزخم تاريخى، وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا، لصالح دولا أخرى، ربما منحتها أوروبا دورا أكبر فى مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وعلى رأسها ألمانيا.
ولعل استضافة العاصمة البريطانية لندن لقمة الاستثمار البريطانية الأفريقية، تمثل انعكاسا صريحا لرغبة حكومة جونسون فى اقتحام مناطق جديدة للنفوذ، بعد سنوات من الخفوت الدولى، والإقليمى، وذلك بالتزامن مع رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى، فى دليل دامغ على تغير الرؤى البريطانية، واتجاهها نحو المزيد من الاستقلالية فى المرحلة الراهنة، بعيدا عن التوجهات التى يتبناها محيطها الإقليمى والقارى، من أجل تحقيق مستقبل أفضل سواء من الناحية الاقتصادية، عبر إيجاد بدائل اقتصادية، فى ظل احتمالات انهيار العديد من الاتفاقيات التجارية، التى كانت تحظى بها لندن فى ظل عضويتها للاتحاد الأوروبى من جانب، أو من ناحية استعادة جزء من الدور الدولى المفقود لصالح أوروبا العجوز من جانب أخر.
ويمثل توقيت القمة المتزامن مع رئاسة مصر للاتحاد الأوروبى، استلهاما للتوجه الذى تبنته دولا أخرى، وعلى رأسها روسيا، والتى نظمت قمة "روسيا أفريقيا" فى منتجع سوتشى على ساحل البحر الأسود فى شهر أكتوبر الماضى، وهى القمة الأولى من نوعها، فى انعكاس صريح لإدراك القيادة الروسية بأهمية دور مصر كدولة قائد فى القارة السمراء، يمكن من خلالها توسيع الروابط مع دولها، فى المرحلة المقبلة.
القمة البريطانية الأفريقية المرتقبة تعد استمرارا للجهود التى تبذلها بريطانيا لاقتحام مناطق ابتعدت عنها الحكومات البريطانية المتعاقبة لعقود طويلة، على رأسها منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يبدو واضحا فى اتخاذ جونسون لزمام المبادرة الأوروبية، فى تقديم الدعم لرؤية الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فيما يتعلق بإبرام اتفاق جديد مع إيران، ليكون بديلا للاتفاقية التى عقدتها طهران مع القوى الدولية الكبرى، فى يوليو 2015، برعاية إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، لتتبعه فى ذلك فرنسا، على لسان وزير خارجيتها جان إيف لودوريان، والذى أكد أن السبيل الوحيد لحل الأزمة الأمريكية الإيرانية هو قبول طهران بالدخول فى مباحثات جديدة مع واشنطن حول اتفاق جديد.
من هنا يمكننا القول بأن رؤية جونسون تقوم فى المرحلة الحالية على امتلاك زمام المبادرة تجاه العديد من القضايا الدولية، لتقوم بدور قيادى لأوروبا من خارج الاتحاد الأوروبى، فى الوقت الذى تسعى فيه إلى استعادة النفوذ المفقود، بحيث تستعيد دورها كقوى دولية يمكنها مضاهاة أوروبا الموحدة، وهو الأمر الذى يبدو متوافقا إلى حد كبير مع الإدارة الأمريكية الحالية، والتى ترفض صعود الاتحاد الأوروبى، وتراه منافسا دوليا، بينما تبقى نظرة واشنطن للندن مختلفة، حيث تعتبرها حليفا مهما لها، يمكن أن يكون ذراع مهم لتطبيق رؤيتها، سواء فى أوروبا أو القضايا الأخرى.