تمر اليوم الذكرى الـ 155 لـ تأسيس هيئة البريد المصرى، إذ تم تأسيسه فى 2 يناير 1865، وهو أحد أقدم وأعرق مؤسسات البلاد، من حيث الخدمات المقدمة للمواطنين، واختلف المؤرخون فى تفسير كلمة "بريد" وانقسمت آراؤهم حول أصل الكلمة إلى ثلاثة احتمالات، الاحتمال الأول "الأصل الفارسى"، حيث اعتمدوا أنها مأخوذة من كلمة "بريد دم" الفارسية ومعناها " مقصوص الذنب" لأنه كان من عادة الفرس أن يقصرا أذناب الخيل والبغال التى ينقلون عليها البريد تمييزا لها عن غيرها.
وحسب ما جاء فى كتاب "البريد فى بر مصر" للكاتب والباحث عبد الوهاب شاكر "الأصل اللاتينى"، حيث يعتقدون أن كلمة "بوستة" المستعملة فى العربية الدارجة فإنها مأخوذة من الأصل اللاتينى postita station ومعناها محطات البريد التى كان الرومان يقيمونها بين كل مسافة وأخرى، والاحتمال الثالث والأخير "الأصل العربى"، حيث يرى البعض وهم الأغلبية أن كلمة بريد مشتقة من كلمة "رد" أو "أبرد" بمعنى أرسل، والاسم منها "بريد" فيقال أبرد بريداً أى أرسل رسولاً، ويقال أيضا أنه فى اللغة العربية "البريد" كلمة عربية الأصل مشتقة من "البردى"، أى العباءة فقد كان الرسل الذين يحملون الرسائل من بلد لآخر يلبس كل منهم بردة حمراء للدلالة عليه.
ويقول الباحث عبد الوهاب شاكر: عرفت مصر البريد منذ عهد الفراعنة، حيث قاموا بتنظيم نقل البريد خارجيًا وداخليًا، وكانوا يستخدمون سعاة يسيرون على الأقدام يتبعون ضفتى النيل فى ذهابهم و إيابهم في داخل البلاد، ويسلكون إلى الخارج الطرق التى تسلكها القوافل والجيوش، وأول وثيقة جاء بها ذكر "البريد" يرجع تاريخها إلى عهد الأسرة الثانية عشر "حوالى2000 ق.م"، وهو وصية كاتب لوالده يطلعه فيها على أهمية صناعة الكتابة والمستقبل المجيد الذى ينتظره فى وظائف الحكومة، وقال فى رسالته "أما ساعى البريد فإنه يحمل أثقالا فادحة ويكتب وصيته قبل أن ينطلق فى مهمته توقعا لما قد يصيبه من الوحوش والآسيويين".
وفى عهد البطالمة انقسم البريد إلى قسمين: البريد السريع لنقل بريد الملك ووزيره وموظفى الدولة وكان يستخدم في نقله الجياد السريعة، والبريد البطىء لنقل البريد بين الموظفين فى داخل البلاد.
أما في العصر الحديث فلم يكن للبريد فى مصر وجود بالمعنى الصحيح قبل ظهور محمد على باشا الذى لاحظ عند قيامه بوضع الأسس والنظم الحديثة في جميع فروع الدولة وجود خلل في الاتصال بين مختلف المؤسسات الحكومية بعضها ببعض، ومن هنا نشأت فكرة البريد الحكومي للاتصال بين الجهاز الإدارى المركزى الموجود وقتئذ بالقلعة فى القاهرة وجميع الجهات فى الصعيد والوجه البحرى وأصبح ذلك نواة نظام البريد الحكومي في مصر.
وعندما وصل الخديو إسماعيل إلى سدة الحكم كان طموحه كبيًرا لتحديث مصر وجعلها قطعة من أوروبا، فعمل على إدخال النظم الأوروبية إلى جميع مرافق الدولة، ونظرا لأن المواصلات البريدية كانت من أهم وسائل تقدم الشئون التجارية والاجتماعية، فقد اهتم إسماعيل بالبريد اهتماما ملحوظا، وأدرك الخديو إسماعيل أهمية تمصير مرفق البريد، حيث قام فى عام 1865 بدمج البريد الحكومى والبريد الإفرنجى الذى كان يمتلكه الأجانب فيما عرف باسم "البوسطة الخديوية".
وفي عام 1865 صدر الأمر بتكليف "موتسى بك" رئيس مصلحة البريد بالسفر إلى أوروبا للتوصية على طبع طوابع البريد لإستعمالها فى التخليص على المراسلات أسوة بما يحدث في أوروبا، وقد اعتبرت هذه الطوابع كالعملة النقدية وكانت لها قيمة مقررة ، وقد سلمت تلك الطوابع إلى المالية فور وصولها إلى القاهرة لتحفظ بها تمهيداً لطرحها في الأسواق، وبدأ استخدام طوابع البريد لأول مرة فى مصر.
وأشار كتاب "البريد فى بر مصر"، إلى أنه فى يناير سنة 1866عرفت هذه المجموعة باسم "المجموعة الأولى" تميزاً لها عن عدة مجموعات لاحقة، وقامت بطبع تلك المجموعة مطبعة إخوان (بيلاسى بجنوا) فى إيطاليا.
وعندما قاربت طوابع الطبعة الأولى على الانتهاء كلفت الحكومة المصرية مطبعة بناسون بالإسكندرية بطبع كمية جديدة ، وجاء هذا الطابع يحمل صورة الأهرام وأمامه أبو الهول وعلى اليمين مسلة كليوباترا وعلى اليسار عامود السوارى، وبأعلاه و بأسفله كتابة باللغة التركية وفى الركنين العلويين والسفليين كتابة باللغة الإيطالية.
وعندما استقال "موتسى" من إدارة مصلحة البريد فى عام 1876 عين الخديو إسماعيل خلفا له المستر "كليار" الإنجليزى، الذى أخذ ينشئ مكاتب جديدة حتى بلغ عددها مائتى مكتب وعشرة يعمل بها ثمانمائة و ثلاثون موظفًا، وجعل توزيع المراسلات يوميًا بين القاهرة والإسكندرية وجميع الجهات المهمة بعد أن كان أسبوعيًا، وفى عام 1873 اشترى الخديوى إسماعيل أسهم شركة الملاحة البحرية بالبواخر "الشركة العزيزية"، وحولها إلى مصلحة حكومية عرفت باسم "وابورات البوستة الخديوية" فاتسع نطاق مصلحة البريد، وهكذا توسعت خدمة البريد فأصبح للبريد المصرى عدة مكاتب فى استانبول وجدة وأزمير وجاليبولى وبيروت وقولة وسالونيك.
ونظرًا لتعذر وصول البريد إلى الأماكن البعيدة عن خطوط السكك الحديدية أنشئ فى أول مايو عام 1899 نظام الخطوط الطوافة، فكان يتم تكليف شخص يسمى الطواف بتوصيل البريد إلى المناطق النائية سيرًا على الأقدام، وفى أغسطس عام 1921 أنشئ أول بريد لنقل المراسلات العادية بالطائرات من القاهرة إلى بغداد، وكانت تتولى نقله فرقة الطيران الملكية البريطانية، وكان البريد الجوى يسافر من مدينة القاهرة مرة كل أسبوعين، وفى ديسمبر سنة 1926 حلت شركة الطرق الجوية الامبراطورية محل فرقة الطيران الملكية البريطانية.
وألحقت مصلحة البريد في أول أمرها بنظارة الأشغال ثم نقلت تبعيتها بعد ذلك لعدة نظارات، وفي ديسمبر 1865 تم إلحاقها بديوان عام المالية، و في عام 1919 صدر القانون رقم 7 بإنشاء وزارة المواصلات التي تشمل السكك الحديدية و التلغرافات و التليفونات ومصلحة البريد و مصلحة المواني والطرق و النقل الجوى ، و في عام 1931 صدر قانون شامل تناول جميع رسوم نقل البريد ، و قد تم في هذا العام نقل مقر إدارة البريد من الإسكندرية إلى القاهرة و استقرت بمبناها الحالي بميدان العتبة ، وفي عام 1957 صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 710 بإنشاء هيئة البريد المصرية لكي تحل محل مصلحة البريد .